اسحق نافون الرئيس النادر

120730090232YH9R
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع
9/11/2015

كان اسحق نافون رئيسا مفتخرا. فقد كان يتمتع بالصفات التي تأتي مرة في كل جيل في الساحة العامة. تعليم واسع، عبري وعام، الى جانب شعبيته المؤثرة؛ موقف واضح، مصمم، اضافة الى الانفتاح على المواقف الاخرى؛ فهم قيمة الذات اضافة الى التواضع الصادق الحقيقي؛ احترام الثقافة التي تربى عليها واحترام ثقافة الآخر. لم يكن يقول إنه لم يقرأ «تشيخوف». أولاً وقبل كل شيء، لأنه كان يعرف كيف يحترم من قرأ «تشيخوف». وثانيا لأنه قرأه وقرأ لآخرين وتعلم منهم جميعا. عرف كيف يضحك، وقد يكون هذا سر تقبله. وكان أحد السياسيين الوحيدين الذي عرف كيف يضحك من نفسه وينتقد نفسه. كنا جيرانا لعدة سنوات، وكنا نلتقي بين الفينة والاخرى في مطعم شرقي يسمى «حِن» في مركز القدس حيث كان يأكل بشكل دائم، احيانا مع ابنه ايرز واحيانا مع اصدقائه. قال عنه ايرز، أول من أمس، إنه يحب الانسان. ويبدو لي أن هذه الكلمة تلخص هذا الشخص وندرته بشكل دقيق. العالم السياسي مليء بمن يحبون أنفسهم. وقد كان نافون يحب الانسان. يمكن بالطبع أن نتسلى بالتفكير بماذا كان سيحدث لو أن اسحق نافون انتخب لرئاسة الحكومة. يبدو أن المجتمع الاسرائيلي سيكون مختلفا قليلا، أقل قطبية بين اليهود والعرب وبين الشرقيين والاشكناز وبين اليمين واليسار. يبدو أن الجدل الداخلي سيكون اكثر ثقافة واكثر راحة. وهناك عدة اسباب لعدم حدوث ذلك. السبب الرئيس كان نافون نفسه: لم تكن لديه الغريزة والأنا اللذان يجعلان الاشخاص يسعون لرئاسة الحكومة والتمسك بالكرسي بأي ثمن. في كتاب الذكريات الذي كتبه بعنوان «طول الطريق» تحدث عن طفولته في الشيخ بدر، وهو حي عربي يهودي فقير غربي القدس (على أنقاض هذا الحي أقيمت محكمة العدل العليا، مباني الأمة والحكومة). لم يؤثر الفقر على التفاخر بالذات. «عندما تكون جائعا لن يلاحظ أحد هذا، لكن عندما تكون ملابسك قذرة، فالجميع يرون هذا»، كتب. حينما كان اسحق نافون رئيس الاستخبارات في «الهاغاناه» في القدس في «حرب الاستقلال» اضطر الى الاجتماع مع مخاتير أبو غوش وطلب منهم ترك القرية مؤقتا. كان سكان القرية موالين لاسرائيل، ولم يسارعوا الى المغادرة. تعهّد نافون لهم أنهم سيعودون الى القرية بعد المعارك، وقد وثقوا به. بعد الحرب طلبوا العودة ولم يستجب الجيش بسرعة. نافون، الذي تم تعيينه مديرا عاما لوزير الخارجية، موشيه شريت، لم ينس ولم يتهرب. وهو الذي أنقذ أبو غوش. قبل عامين في صيف 2013 قام «مخربون» يهود من «تدفيع الثمن» باعطاب اطارات السيارات في أبو غوش. كان سكان القرية مذهولين. اتصلت مع نافون من مطعم «كرفان» في القرية، وأعطيت الهاتف لصاحب المطعم. فقام نافون بروحه الطيبة ومصداقيته بتهدئة الخواطر. كان يفترض أن يكون الرئيس الرابع. وقد أخلت رئيسة الحكومة، غولدا مائير، بالوعد الذي أعطته إياه وفضلت افرايم كتسير. فاهتم بنفسه ليُنتخب في العام 1978. كرئيس، عرف نافون كيف يضع اصبعه على ثلاث مشكلات مقلقة ما زالت ترافقنا حتى اليوم ايضا: الفجوة الطائفية، اهمال الوسط العربي، وافراغ عملية السلام من المضمون حتى جاءت حرب لبنان الاولى. لكن تلك الفترة كانت تنتمي لبيغن وشامير، ونحن الصحافيين لم نكن نعطي أهمية كبيرة لاقوال الرئيس. زوجته أوفيرا حظيت بمعاملة فظة: كانت شابة زيادة عن اللزوم وجميلة زيادة عن اللزوم. لكن الجمهور أحبه، ولم يتلاش هذا الحب حتى يومه الأخير، بعد مرور 30 سنة. ليس دائما حب الجمهور مبررا: احيانا يحظى به السياسيون بسبب الاهمال. واسحق نافون ربح هذا الحب باستقامة. عن «يديعوت»