من منصة التطعيم إلى التطعيم

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

كنت على يقين أن منصة التسجيل للقاح ستخرج الى النور بعد ان ترأس رئيس الحكومة فريق العمل، ليس لأنني أضرب بالمندل بل فقط مراجعة صغيرة ستجد في الماضي إعلان صفحة كاملة في الصحف يشمل أسماء شركات المقاولات التي تم تصنيفها، وأسماء المشاركين في جوائز المعماريين، وفتح باب التسجيل لإسكان موظفي الدولة، هذا منهج عمل هدفه الاول إبراز العمل وإظهارها (احكوا عن حالكم) والهدف الثاني نوع من تهدئة الخواطر يا زلمة هاي اسمك في القائمة، يا رجل هو انت لسه ما سجلت للقاح؟ بكرا لما ييجي بتروح عليك.
طبعاً حديث من عيار تكنولوجي لا أهمية لها بمعنى احدهم يقول: تحتاجون «سيرفرات» لدعم التسجيل!!!! أو اقتراح تكنولوجي آخر بخصوص سبل مواجهة الضغط على التسجيل!!!! المهم أن المنصة أطلقت وأخذنا فرصة نستجمع قوانا ونصوغ روايتنا بشكل مختلف علنا نقنع الناس، اذن لا تشغلوا أنفسكم بالتكنولوجيا وأصولها، القصة ليست تكنولوجيا.
ويترافق مع هذا المشهد مشهد آخر جوهره .... شباب بعمر الورد دخلهم بالكاد يكفيهم بادروا لتبرعات لشراء أجهزة توليد اوكسجين لإسناد المرضى، معقول نضلنا مركنين على هذه المبادرات ولا فعل حكومي؟ وين المستشفيات الميدانية؟ بركس وأسرّة وأجهزة اوكسجين، حياتنا في خطر، خلص اللي بدو يفتح الأسواق عادي يحمينا يبني مستشفيات ميدانية، والحكومة بكفي تحركوا.
زميل الدراسة في الجامعة تواصل معي افتراضياً بعد أن عجز أن يتواصل مع مسؤول ليناقشه علمياً قال لي: الحل إغلاق البلد اسبوعين متتاليين بحزم، يا جماعة قريتنا اصغر قرى الضفة الغربية فيها إصابات كثيرة، لم يعد بالإمكان التعامل بمنطق المصارعة مع الفيروس، ونصرّ ان نواجهه وجهاً لوجه وكأنه وحش آتٍ الينا، الفيروس فقط بحاجة لأغلاق أسبوعين متتاليين، وبحاجة الى اتباع التعليمات بشكل حرفي ومن يخالف يعاقب، ممنوع إقامة الأفراح ولا بيوت العزاء ولا الولائم ولا المؤتمرات ولا الندوات.
تأخر الجميع قبل المنصة وبعدها، نعم اين هي المستشفيات الميدانية؟ لماذا لم نقتد بتجربة الصين، أين هي أجهزة التنفس المتنقلة؟ أيُعقل أن ينقل شاب مصاب الى مستشفى خاص فيُستقبل على الباب ويُقال له لا متسع لدينا ويُعطى جرعة اكسجين على الباب، ويُعاد من حيث اتى ويذهب الى المستشفى الحكومي، ويوضع في الردهة ويُقسم الاكسجين حسب نسبة نقص الاكسجين لكل مريض، لهذا شفطة ولذاك شفطتين، هل هذا حال يسر أحداً؟ وهل تكفي هذا المشهد الدموع؟ هل يسعف في هذا المشهد تدخل احدهم لفتح شركة خاصة في منتصف الليل لشراء جهاز أكسجين لإنقاذ صديقه وزميله؟ ترى عشرات المصابين الذين لا يقترب منهم أحد حرصاً على عدم العدوى، ومن حوله عن بعد لا يعرفون مع من يتواصلون، ولا يعرفون إمكانية توفير جهاز أوكسجين، ماذا يفعلون؟ هل يبقون في ممرات المستشفيات، هل يناشدون؟ هل يفتحون المنصة المنشودة للتسجيل وهم مصابون؟
نعم هناك ذنب على المواطن الذي يصر أن لا يرتدي الكمامة ولا يحرص على التباعد، نعم هناك ذنب على التاجر الذي يصر على فتح الأسواق خوفاً من إجراءات البنوك حيث تغلق الأسواق وتفتح البنوك، وهذا الإصرار فيه تنازل أن الرزق بيد الله، مصيبة أن يقارع التاجر والصانع الموظف الحكومي ويقول له: انت معاشك واصل بكل الأحوال (هل تعلم على كم عائلة ينفق هذا الراتب؟) (هل تعلم كم هي نسبة مديونية هذا الراتب؟) (هل تدرك كم يوم عمل ساهم هذا الراتب لمخيم اليرموك وللعمال المتعطلين ولإنشاء مستشفى خالد الحسن للسرطان؟) (هل تدرك كم ساهم هذا الراتب في حملات التكافل الاجتماعي خلال جائحة الكورونا؟).
هناك حلول خلاقة ولكن لن نضع انفسنا مكان الحكومة والهيئات غير الوزارية، فإمكانيات الإبداع لديكم أوسع والرؤية لديكم اشمل، والمعطيات بين اياديكم، وأظن ان المحافظين ووزارة الصحة يضعونكم بصورة حجم الإصابات في قرى وبلدات قليلة عدد السكان وإصابات كبيرة بالنسبة لعدد السكان، لا بد أنكم تعلمون أن إمكانية مساهمة المحافظات والمدن والقرى غير متساوية تعود للإمكانيات الاقتصادية والقدرة للوصول الى المانحين وتواجد أثرياء في هذه المحافظة أو تلك، ومحافظات زراعية لا يوجد لديها إمكانيات، ونحن متفقون على سوء توزيع المشاريع التنموية من قبل الحكومات المتعاقبة بشكل متوازٍ بين المحافظات، وهذا مقياس آخر معطل.
دعونا نجزم أن كوفيد_19 ليس وحشاً داهمنا ولا يتطلب مواجهة وجهاً لوجه ولا يتطلب استنفاراً بعملية تعقيم تؤدي الى إبادته، بل يتطلب بروتكوولات في القطاعات كافة، وحجْراً جماعياً والركض ليس في مكاننا للحاق بتطوير القطاع الصحي إن تمكنّا، وأين هي إمكانيات الجمعيات الوطنية العاملة في قطاع الكوارث والأزمات والخدمات الطبية؟