للمرة الأولى منذ وصوله الى الموقع التنفيذي الأول في السلطة الفلسطينية عام 2005، أصبح الرئيس محمود عباس وحده "مصدر السلطات الثلاث"، بعدما صادرها بمظهر "قانوني" وعبر مسلسل من المراسيم التي لا سابق لها، ولا يعتقد أنه سيكون لها لاحق شبيه، والمفارقة الأهم من إصدارها ما كان موافقة غالبية تكوينات "حزبية"، ليمثل شكلا فريدا من صناعة "الحاكم الفرد" والحكم المطلق، ما يفتح باب "الشهوات" لممارسة كل ما يراه وحده "صوابا"، بعيدا عن حقيقة الأمر ذاته.
الإشكالية التي ستكون نتاج "صناعة الحاكم الفرد"، ليست قضية حزبية خاصة، بل أنها ستترك بصماتها الكلية على "بقايا النظام السياسي" في الضفة وبعض مناحي القدس، فيما يبدو أن قطاع غزة سيكون "هدية التقاسم الوظيفي" مقابل موافقتها على "مراسيم الرئيس".
وللتدقيق نبدأ بالسؤال، ماذا سيكون واقع "النظام السياسي" ما بعد المراسيم الرئاسية في حال تم الغاء الانتخابات، أو بلغة التمرير النفسي "تأجيلها"، الى زمن آخر، تحت "ذرائع وطنية – صحية" تبدو منطقية جدا، ستجد صعوبة في معارضتها، أي كانت الحقيقة.
هل تستطيع القوى كافة، اجبار الرئيس عباس على التراجع عما أصدر، استنادا أن "سياق المراسيم" جاء ضمن التوافق على الانتخابات، وما هي الإمكانية قبول ذلك بعد "ترجي" الفصائل، وفي حال رفضه ذلك، هل من أسلوب عملي لمواجهة خيار مصادرة السلطات الثلاث وتحويلها الى مقر المقاطعة.
ولنرى، بداية مسلسل آلية السلوك الرئاسي بعد "المراسيم القراقوشية"، التي بدأت بقرار فصل شخصية وطنية مركزية قبل أن يكون فتحاوية، استنادا لحساب النوايا الممكنة، قرار لم يكن رسالة خاصة بحركة فتح ، من الرئيس عباس، كما يعتقد بعض "محدودي الدخل العقلي"، بل ستكون النموذج السياسي القادم، مع أي حالة "خروج" عن رغبة الحاكم الفرد.
المراسيم التي صدرت بمجموعها، فتحت بابا جديدا لترسيم حكم خارج "التوافق الوطني"، ولكن عبر آلية بدت وكأنها "موافقة وطنية"، ولذا وكي لا يصبح الأمر بعيدا، وخارج السيطرة، وعلى ضوء نموذج الفعل السوداوي مع ناصر القدوة، يصبح من الضرورة المطلقة أن تقف القوى كافة، وقبل فوات الندم، لتصويب مسار "المراسيم" كافة، والتراجع عن "الموافقة المطلقة" الى "الموافقة المشروطة" بأنها ترتبط بإجراء الانتخابات الثلاثة، وفي حال عدم القيام بذلك تصبح وكأنها والعدم سواء.
لقاء القاهرة الجديد، يجب عليه معالجة آثار النكبة القانونية قبل أن تصبح نكبة سياسية، والتراجع عن الخطأ ليس جريمة، خاصة و"المؤشرات" وبعض المعلومات تؤكد أن "الانتخابات الفلسطينية" لن ترى نورا في العهد القريب، ولكن التعامي عن ذلك تحت بند "التوافق" أو "التشارك"، فتلك ستقود الى انتاج "أم الخطايا الوطنية"، وتعزيز البعد الانقسامي، بل وانتقاله الى بعد تمثيلي جديد، يخلق معادلة "الحكم المطلق نتاج جبن مطلق".
قد تجد حركة حماس في "الفردية العباسية المطلقة" بوابة جديدة لكي تعزز "سلطتها المطلقة"، ونحو تشكيل "ممثل موازي" يمكنه التعامل مع المتغيرات بمرونة عالية، بما فيها توسيع مفهوم "التهدئة مقابل المال" الخاص بقطاع غزة الى "التهدئة مقابل الامتيازات السياسية" في الضفة الغربية، ما سيفتح "شهية الكيان"، على ضوء التجربة التي أثبتت فيها حماس قدرة فائقة في حماية "أمن إسرائيل" من أي مساس.
حماس لا تملك ثابت في الموقف السياسي، ولن تعارض أبدا فكرة "دولة مؤقتة"، ضمن شروط "مؤقتة"، ولديها من عناصر التبرير ما يفوق الخيال السياسي، ولا يحتاج الأمر كثيرا لإدراك تلك الحقيقة، فقط ليراجع تبريرهم مسألة "التهدئة مقابل المال"، ونقل الموساد لها من قطر عبر طائرات خاصة...فلا محرمات ما دام الأمر خدمة لأهداف كامنة.
لا يمكن التعامل وفق مبدأ "النوايا" ابدا، وما قيل قديما، بأن "جهنم مبلطة بأصحاب النوايا الطيبة" بات أقرب الى الحقيقة السياسية، ما لم يتم مبكرا تشكيل جدار صد للسلطة المطلقة، التي تسللت تحت "نقاب ديمقراطي" في بقايا الوطن...
لقاء القاهرة القادم، هو فرصة التصويب الممكن، دونها لنفتح الباب لعهد "ظلامي خاص"..وعندها سلاما لبقايا مشروع وطني.
ملاحظة: لا زالت رواية حكومة د.اشتية حول لقاح كورونا وتوفيره غير مقنعة شعبيا..عيهك مطلوب يا تصحيح رواية مجعلكة كتير ليصدقها الناس، أو تصحيح عقل الشعب ليصدقها..شو الأسهل عليكم!
تنويه: ارتفاع نسبة الجريمة "الجنائية" في الضفة وقطاع غزة بات أمرا ملفتا، وظاهرة تستحق التفكير والعلاج...طبعا هاي مهمة أولي الأمر الحاكم (سلطتي الأمر القائم) لو كانوا مهتمين من أصله لحياة الناس!