شهدت منظومة العلاقات بين الدولة ومواطنيها العرب هزات شديدة في السنتين الأخيرتين، جسدت أنه لا يمكن مواصلة نمط العلاقات غير المحدد هذا، الذي يوجد منذ العام 1948. فالجمهور العربي يعيش في وضع مركب: معظم المواطنين العرب واعون لهويتهم الذاتية، ولكنهم يتطلعون للاندماج في عموم مستويات الفعل في الدولة والتأثير في اتخاذ القرارات فيها، في ظل الفهم بان إسرائيل لن تصبح قريبا دولة كل مواطنيها او دولة ثنائية القومية.
ان التحولات الجارية في صورة الجمهور العربي تستوجب اعادة تصميم وتحديث للصلة بينه وبين الدولة في اطار عقد اجتماعي. ويحتاج الامر اولا وقبل كل شيء الى هجر أنماط فكرية قديمة لم تؤد الى تطوير نماذج من التعايش قابلة للتحقق، وأدت عمليا الى التطرف في العلاقات بين العرب واليهود. والمقصود هو اعتبار الجمهور العربي عدواً متخفياً وانتهاج التمييز والاقصاء ضده من جهة، ومن جهة أخرى تمسك القيادات العربية بفكرة دولة كل مواطنيها في ظل تقويض طابع إسرائيل الصهيوني، الهدف الذي لا تقبل به الاغلبية اليهودية.
عقد اجتماعي يرتب العلاقات بين الدولة ومواطنيها العرب ضروري في الوقت الذي يتعمق فيه الاحباط في اوساط الاخيرين على خلفية ثلاثة ميول اساسية: احتدام المشاكل الاساس في اوساطهم، وعلى رأسها وباء الجريمة والعنف؛ وخيبة الامل من القيادات السياسية العربية التي يجعل تمسكها بالاجندات والشعارات القديمة التغير صعباً، وكذلك الاندماج والتأثير؛ والانغلاقية التي تبديها المؤسسة السياسية اليهودية تجاه المواطنين العرب والتي تتجسد في عدم دمجهم في اماكن واقعية في معظم القوائم الحزبية للكنيست.
ينبغي للعقد أن يعرّف في المرحلة الأولى مساواة الحقوق المدنية الكاملة للعرب، مثل التمثيل في المؤسسات الحكومة، حرية الفرص، وتلقي الدعم المناسب في المجالات المدنية، ولكن ايضا الواجبات الملقاة عليهم، وهو موضوع كان الانشغال به محدودا نسبيا حتى اليوم. في هذا السياق يمكن البحث في خدمة مدنية للشبان العرب في جملة مجالات، بما في ذلك حفظ النظام – خطوة تعزز صلتهم بالدولة وتمنح جوابا للبطالة السائدة في اوساطهم (ثلث ابناء 18 – 24 لا يعملون أو يتعلمون).
في المرحلة الثانية والاكثر اهمية من الضروري ان تصاغ بشكل مفصل وحديث المكانة القانونية للمواطنين العرب. حل ممكن في هذا السياق هو اعتراف الدولة بمواطنيها العرب كجماعة أقلية، بما في ذلك فحص امكانية إعطاء حكم ذاتي في مجالات الثقافة والتعليم. هذا ليس تجسيدا متجددا للقب «العرب الأليفين»، بل محاولة لعرض صيغة تتجاوب مع الواقع، وتحاول تقديم جواب بالحد الاقصى للاماني والهويات للمجتمعين اللذين يعيشان في الدولة.
يدور الحديث عن ميثاق يسمح باندماج واسع واعطاء حقوق مدنية كاملة للعرب ولهويتهم كجماعة اقلية مقابل التخلي عن طلب تغيير هوية الدولة والذي أثبت نفسه حتى اليوم كعائق مؤكد في طريق بلورة علاقات سليمة بين المجتمعين. ان تسوية مستقبلية للمشكلة الفلسطينية ستساهم هي ايضا في تبديد التوتر بين المؤسسة السلطوية والمواطنين العرب في مسائل الولاء والهوية.
على طاولة الحكومة القادمة ستوضع مسائل عديدة تستوجب حسما استراتيجيا. فتعريف الصلة التي بين الدولة ومواطنيها العرب يجب أن يتلقى اولوية عليا، في ضوء الوضع المتفجر الذي يعيشه المجتمع العربي. اما استمرار معالجة الموضوع باساليب ومفاهيم مأخوذة من الماضي - فما بالك تجاهله؟ - من شأنه أن يحوله الى تحد استراتيجي قابل للانفجار. ان بلورة الميثاق الاجتماعي ستنجح فقط من خلال قيادات واقعية وشجاعة في اوساط اليهود والعرب، تفهم انه بدون تغيير عميق وسريع لن يكون ممكنا حفظ التعايش بين المجتمعين على مدى الزمن.
عن «يديعوت»
*رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان – جامعة تل أبيب، وباحث كبير في معهد السياسة والاستراتيجية في مركز هرتسيليا متعدد المجالات.