القائمة المشتركة: تحالف الاستبداد

حجم الخط

بقلم مصطفى إبراهيم

 

 

 خمسة عشر عاما من الإنقسام والمعاناة والأوضاع الكارثية التي وصلت اليها القضية الفلسطينية، وأحوال الناس الاقتصادية والاجتماعية، وتفتيت الهوية الوطنية والكنتونات المناطقية التي تجسدت بفعل الانقسام والسياسات الانقسامية المستمرة حتى اللحظة. على الرغم من السير في العملية الإنتخابية لا يزال الدوس على القيم الوطنية والقانونية وسحق العدالة، وعدم إحترام القانون الاساسي باصدار مراسيم رئاسية لا يجوز اصدارها في خضم العملية الإنتخابية بتعديل القوانين، والتي تمس جوهر العملية الإنتخابية والأصل أن يكون ترتيبها مسبقاً.

حتى التوصيات التي قدمتها الفصائل في إجتماع القاهرة الشهر الماضي، برغم التوافق عليها لم يؤخذ بها، وضرورة اصدار مرسوم بتعديل قانون الانتخابات لتخفيض سن الترشح، ورفع نسبة تمثيل المرأة والغاء بند قبول الاستقالة، وتخفيض رسوم المشاركة في الانتخابات.

التصريحات التوافقية والعاطفية التي تخرج من المسؤولين في حركتي فتح وحماس، هي تصريحات عاطفية قائمة على مصالح الحركتين في تكريس الإنقسام والتقاسم والمحاصصة.

ومجرد الحديث عن قائمة مشتركة بين حركتي فتح وحماس، هو ضرب من الخيال والاستهتار واستسهال ما جرى ولا يزال يجري، وانكار للمسؤولية التاريخية والأخلاقية عن ما آلت إليه أحوال الفلسطينيين. وما نعيشه هو مشهد تراجيدي، من الصعب وصفه في ظل انسجام تام في التصريحات، وفي الوقت نفسه تناقض بين القبول والرفض في صفوف قواعد الحركتين والناس بين مؤيدين ومستنكرين.

الاستخفاف السياسي من طرفي المعادلة واختلاف الرؤى السياسية، بين ما يسمى مشروع التسوية ومشروع المقاومة، والنظر للاحتلال والاستعمار الاستيطاني وطبيعة العلاقة والاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني، واستمراره في التنكر للحقوق الفلسطينية، ما يجري من من تغيرات عميقة في بنيته الإستعمارية، والتحريض على الفلسطينيين والتهديد بارتكاب مزيد من الجرائم.

القائمة المشتركة تعمق أزمة الفلسطينيين وتعمل على تعزيز الانقسام والانفصال سياسياً وجغرافيا والمناطقية وتشتيت الهوية وتمكين المشروع الاستعماري الاستيطاني.

باختصار بات واضحاً أنه بدل الخروج من الأزمة، وفتح حوار وطني شامل والبحث عن خيارات جماعة يشارك فيها الكل الفلسطيني، وأقول تجديد النظام الفلسطيني بدل من تغييره على الاقل في المرحلة الحالية، في عدم قدرة قسم كبير من الفلسطنيين من التغيير خاصة الفصائل اليسارية منها التي تعتبر تابعا للنظام الحالي وليس لديها القدرة على التغيير وهي مشتتة ولم تستطع تجسيد فكرها السياسي ومبادئ العدالة الإجتماعية التي ترفعها كشعار منذ تأسيسها وكانها فقدت مبرر وجودها.

ان الخيارات القائمة لا تعبر عن المأزق الفلسطيني وعليه يجب البحث في خيارات تضع على الطاولة وقتح مساحات التوافق الوطني القائم على المشاركة وتجسيد التنافس بين الافكار والسياسات بدل من دمجها في قوائم بالاصل هي مأزومة وهي السبب في الأزمة القائمة.

الديمقراطية تعني فتح المجالات أمام التنافس في الإطار والمشورع الوطني، من أجل التغيير ومعرفة رأي الناس وفرصة للمساءلة والمحاسبة ومعرفة كل طرف حجمه الحقيقي، وما ارتكبه من اخطاء وخطايا بحق المشروع الوطني والناس.

صحيح أن الحركتين قد تحصلا على نصيب الأسد من الكعكة اذا ذهبتنا في قائمة مشتركة، إلا أن ذلك سيضعهما في خصومة مع نصف الفلسطييين وإدارة اللعبة السياسية بما يخدم مصالحهما، والاستفراد بالنظام الفلسطيني.

ما يثير الحزن هو مصادرة مواقف ورأي عموم الناس وإجبارهم على شكل وبنية النظام السياسي وتفصيله على مقاس الطرفين، والنظرة الفوقية لنصف المجتمع الفلسطيني بالذهاب بقائمة مشتركة، وما قيمة الإنتخابات، والاستثمار في ضياع موارد مالية وهدر وقت.

ما أخشاه في هذا السيناريو أو التحالف أن تكون ثمرته مزيد من الاستبداد والتغول، وهو الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون، واستبدال الانقسام بالتقاسم الوظيفي، وفرضه أمر واقع، وبقاء سلطتين ومنظومتان سياسيتان، وتبييض صفحة الانقسام والمسؤولين عنه.

والإفلات من المساءلة والمحاسبة على حقبة تاريخية لا يزال يدفع ثمنها عموم الفلسطينيين، والمقايضة للبقاء في الحكم على حساب القضية الفلسطينية، واستمرار الاحتلال والحصار واستكمال المشروع الاستعماري الاستيطاني.