حتى لا يضيع المشروع الوطني في زحمة التنافس..!!!

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

بقلم: أكرم عطا الله

لأن الوضع الفلسطيني يُستدرَج إلى ذات النفق، تزداد صعوبة الحكم على المشتغلين في حقل السياسة وخصوصاً الفصائل منها وهيئاتها القيادية. هل ينبغي تحميلهم المسؤولية عن كل ما يحدث أم هم ضحايا لحظة تاريخية جرفتهم في هذا المسار ولم يعد بالإمكان فرملته وهل فعلاً ستكون الانتخابات هي بوابة الحل أم الغرق أكثر في حالة استمرار الحكم تحت الاحتلال التي أدرك ياسر عرفات بعد كامب ديفيد استحالتها؟
بقيت ثلاثة أيام على إغلاق باب الترشح للانتخابات التي يبدو أن التراجع عنها يلحق ضرراً أكثر من عقدها في ظل الراهن الفلسطيني الذي تبعثر بشكل لم يسبق له مثيل حتى في زمن النكبة، وبتنا أمام حقيقة ألا مجال سوى عقدها بالرغم من تشاؤم القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق، وانتهى تقريباً الجدل حول الرغبة الفلسطينية والإرادة الفلسطينية وبمعزل عن اللحظة العاطفية وطنياً والتي ستسيطر على الفلسطينيين حتى الثاني والعشرين من أيار القادم لكن هذا ليس كل شيء.
وفي لحظة العاطفة الوطنية، ينبغي للعقل أن يبقى حاضراً وألا يجرفه السيل المندفع للازدحام بعد فتح الإشارة الخضراء لحركة المسار السياسي وفتح الصندوق، لأن الخروج من الإشارة الحمراء أسرع من التفكير لدرجة الخوف من الاصطدام، وتلك السرعة لا تسمح بوضوح الرؤية بل تترك متسعاً لفقدان التوازن في لحظة ما وهو ما يتم التعبير عنه بالتسابق الانتخابي، القوائم ووفرة المرشحين. ولكن أسئلة المشروع لشعب تحت الاحتلال هي الأسئلة التي لا تغيب في ظل التزاحم على الفوز والامتيازات ومصالح الأحزاب والأفراد وان كانت مشروعة، لكن استثنائية الحالة تنزع مشروعيتها لصالح شعب وقضية أكبر ترزح تحت الاحتلال.
إن جرت الانتخابات ويجب أن تجري طالما ارتضى الفلسطينيون بشكل نظامهم السياسي واستمرار الحكم تحت الاحتلال هذا يعني التسليم باستمرار السلطة في غلاف الاحتلال، وان كانت تلك تجربة أثبت الواقع أنها لم تكن الطريق النموذجي للتحرر وإقامة الدولة، وفي تلك المعادلة ما يخل بالأداء الوطني ليصبح قيداً على الحياة الإنسانية الطبيعية فقد تمكنت إسرائيل من تحقيق نموذج أما الحياة الإنسانية كما في الضفة أو الحياة الوطنية كما في غزة مع الثمن الكبير الذي يدفعه المجتمع إنسانياً.
ليس من الضروري أن نجتهد لإثبات أن إجماع الفصائل على مسار الانتخابات واستمرار السلطة يهبط بمستوى الاشتباك. هذا حدث في الضفة وفي غزة أيضاً حيث مقايضة التسهيلات بالهدوء ما يدفعنا للقول، إننا بالانتخابات نخرج من مأزق الشقاق لندخل إلى المأزق الوطني الأشد وطأة وهو الأمر الغائب وسط حمى الانتخابات والقوائم، ولكن ينبغي للفكر أن يكون حاضراً.
وتلك مهمة المشتغلين بالفكر والكتاب أن ينأوا أولا بأنفسهم عن الازدحام الحاصل واللحظة العاطفية والبحث عن مخرج لأزمة وطنية أكبر تتبدى لحظة إغلاق الصناديق، وحين نكتشف أن المجموع الوطني أصبح في قفص الغلاف الإسرائيلي منتظراً الأذن الإسرائيلي بتحويل الأموال التي يقتات عليها الشعب وتلك المعادلة لها ثمنها فما العمل إذاً؟ وهل من المنطق قبول تلك المعادلة؟ والى متى؟ وإذا كان اتفاق أوسلو قد نص على إقامة سلطة وطنية وانتخابات لمدة خمس سنوات فإن ما يحدث لدينا هو تسليم بإدامة هذا الوضع إلى أن يشاء الله وتلك أزمة السلطة.
وأمام هذا المأزق هل من مخرج؟ هذا إذا كنا نعترف بأزمة إدامة الحكم تلك الاحتلال وإذا كانت الفصائل المتنافسة لا ترى ذلك فتلك مشكلة، لكن ينبغي على مفكري الشعب الفلسطيني أن يشيروا للأمر والبحث عن حلول. وهناك ما يمكن قوله في هذا السياق، الانتخابات مهمة طالما ارتضينا تمديد عمر السلطة والتسابق جميعاً لقيادتها سواء كحزب أشرف على توقيع اتفاقيات أوسلو «حركة فتح» أو قوى أعلنت معارضتها لأوسلو ورفعت شعار إسقاطها قبل أن تسقط في فلكهما «حركة حماس».
لا يمكن الاستمرار بالحكم تحت الاحتلال فهذا لا يؤدي للاستقلال، ولا يمكن لسلطة أن تستمر بحكم الناس بلا انتخابات. لذا فإن جزءا من الحل يكمن في إجراء الانتخابات واستيلاد نظام سياسي موحد من هذا الركام، يتحدث بصوت واحد وفي اللحظة التي يكتمل بعد انتخابات الرئاسة أن يرسل هذا النظام برسالة للإدارة الأميركية وللعالم أن هذه السلطة تعطي لهم فرصة لمدة عام إذا لم يتم الانتهاء من المفاوضات بإقامة دولة فلسطينية ستنهي هذه السلطة وتحل نفسها.
وإذا ما تم حل السلطة، نحن أمام سيناريوهات جميعها أفضل من أن نستمر تحت الاحتلال بلا نهاية، وأولها حين تتحمل سلطة الاحتلال المسؤولية قد يستعيد الشعب كفاحه بالسلاح أو بالحجر ضد المحتل دون قيادة تتدخل لتهدئة هذا الشعب فتعود المعادلة إلى طبيعتها بين احتلال وشعب محتل وهي ما كانت عبر التاريخ دون أن ننشئ هذا النموذج الغريب الذي لم يصل إلى شيء.
السيناريو الثاني، أن يتعايش الشعب تحت الاحتلال ويندمج بإسرائيل وهو ما يسرع بالدولة الواحدة التي أجهضها قيام السلطة، وهو أصلا ما دفع إسرائيل للاتفاقيات لإحداث هذا الفصل السكاني وليس الجغرافي وهذا أخطر ما كان. فاحتلال إسرائيل  لشعب ووضعه في معازل لا يمكن أن يستمر ولكنه استمر مع حكم الفلسطيني لنفسه وأوهم العالم من خلال سلطة ورواتب ووزارات وحكومة وبروتوكول أنه خارج الاحتلال .. آن لهذا الأمر أن ينتهي وحين يتمكن الاحتلال من كل المناطق عليه أن يجد معادلة أمام العالم أو أن يقبل بالمعازل العنصرية.
بكل الظروف ستخسر الفصائل، لكن القضية الوطنية ستكسب كثيراً ومن الصعب المجادلة في هذا الأمر، لأن التجربة التي تقيس الفرق بين شعب قبل حكم نفسه وبعد ذلك تُصدر حكمها وعلى مدار عقد ونصف العقد تذرع العالم بالانقسام الفلسطيني وإذا ما جرت الانتخابات ستسحب تلك الذريعة فماذا تبقى؟
وإذا لم يستطع الفلسطيني إزالة الاحتلال لا بالمفاوضات ولا بالسلاح فليرفع البطاقة الحمراء في وجه العالم الذي أعطى الصراع في المنطقة حقنة تسكين اسمها «السلطة الوطنية» التي يتنافس عليها الجميع، لنهدد العالم باقتراب نفادها .. دعونا نجرب..!