أستحضر الان قصيدة "احمد العربي" للشاعر الكبير الراحل محمود درويش عند الكتابة عن الطفل الاسير البطل احمد المناصرة، ابن الثلاثة عشر ربيعا، رغم تباين الخلفيات النسبي بين مأساة احمد الزعتر ومأساة احمد القدسي، وان كان الجلادون، لهم هدف واحد والضحية ذاتها، اين كان حدوث الجريمة. وأقتبس منها بعض الابيات : هذا النشيُد .. لأحمد المنسي بين فراشتين / مَضَت الغيوم وشردتني / ورمت معاطِفها الجبال وخبأتني / نازلا من نَحلة الجرح القديم الى تفاصيل / البلاد وكانت السنةُ إنفصال البحر عن مدن / الرماد وكنت وحدي / ثم وحدي ... / آه يا وحدي؟ وأحمد / وفي موقع آخر، يقول درويش : أحمد ألان الرهينة / تركت شوارعها المدن / وأتت إليه / لتقتله ..
احمد الفلسطيني، طفلا ام رجلا ام شيخا، هو ذاته حامل الرواية الوطنية. وهو نفسه الضحية أينما كان، والجلادون كثر، وان كان ابشعهم وأكثرهم دموية وفاشية الصهيوني ألآتي من بقاع الارض، ذلك القاتل، الذي قتل احمد المناصرة مرتين، مرة عندما اطلق النار عليه، وتركه ينزف، صارخا به بصوت المرعوب من دمه النازف على قارعة الطريق "موت يا ابن الشر ...."، ومرة أخرى، مع وقوف ثلاثة من القتلة المحققين الاسرائيليين الجبناء، واحدهم يصرخ في وجه الطفل الجميل احمد الفلسطيني العربي، لارهابه، وآخر يلقنه الكلام ل"يعترف" بجريمة لم يفعلها او لم ينوي فعلها، وآخر يضحك من خيبتهم في إنتزاع الاعتراف المستحيل.
في اقبية التحقيق الموحشة، مارس القتلة الصهاينة ابشع اشكال الارهاب ضد الطفل المناصرة، أيقظوه في الرابعة فجرا، وإتصلوا بالمحامي قبل 20 دقيقة ليحضر، وهو ما يعني، انهم شاؤوا الحؤول دون حضوره او على اقل تقدير تأخير وصوله لحين إستنزاف احمد، وانتزاع الاعتراف منه. غير ان الطفل الفولاذي، الذي شاء مع ابن عمه الشهيد حسن، الذي اغتالته يد الغدر والعنصرية الصهيونية، إخافة الاعداء، وإبعادهم عن القدس الشرقية، العاصمة الابدية لفلسطين، لم يعترف بعمل لم يفعله او لم يفكر بعمله. ووفق شريط الفيديو المهرب من قبل الاسرائيليين لإدخال "الرعب" في قلوب الاطفال الفلسطينيين، فإن الطفل الاسير، قال: قلت لك ما اعرفه، وانت حر تصدق او لا تصدق ". وبعد مزيد من الارهاب والصراخ الوحشي، قال احمد: انا ناسي ولا اتذكر شيئا." وتابع :" اكتب او قل ما تريد، اريد طبيبا."
هذا القتل للطفولة الفلسطينية بدم بارد وعلى مرأى من كاميرات الفضائيات، فيه الرد الجلي على الرئيس باراك اوباما، الذي أغمض عينيه عن الحقيقة، ومالىء نتنياهو يوم الاثنين الماضي، حين اتهم الفلسطينيين، الواقعين تحت الاحتلال الاسرائيلي، ب"ممارسة" الارهاب والقتل ضد الجلادين الاسرائيليين!؟ كيف يا رئيس الدولة، التي تدعي، انها "راعية الديمقراطية" في العالم؟ أي عاقل يقبل الاتهام المشين والمعيب للفلسطينيين؟ وكيف تقبل الاساءة لمكانتك كرئيس لاقوى دولة في العالم؟ على اقل تقدير إستخدم تعبيرا محايدا حتى لا تتورط بمجافاة الحقائق، وإرتكاب فضيحة سياسية واخلاقية وقانونية جديدة، وتكشف عن عبوديتك للدولة الخارجة على القانون، وتكشف عن دونيتك.
كما ان قضية الطفل الاسير تحاكي وتٌسائل لجنة حقوق الانسان الاممية ومنظمة اليونيسيف، المختصة بقضايا الطفولة والامم المتحدة بكل مكوناتها، اين انتم من قضية الطفل المناصرة؟ لماذا لم تصدروا بيانا واحدا لشجب جريمتي القتل بحقه؟ لماذا تصمتون امام وحشية عمليات القتل الاسرائيلية؟ ألآ تستحق قضية الطفل احمد موقفا مسؤلا للدفاع عن الطفولة في فلسطين؟ وهل لو كان الطفل إسرائيليا، سيكون موقفكم وموقف منظماتكم، هو ذات الموقف ام انكم ستصرخون في وجوهنا، وتحملوننا كل المسؤولية عن "العنف" وحتى عن "الاحتلال"، ونحن الواقعين تحت سيوف وبنادق دولة وجيش الاحتلال الاسرائيلي؟
آن الاوان وقبل فوات الوقت، التحرك من قبل المنظمات الاممية ذات الاختصاص لاتخاذ موقف واضح وصريح من الجريمة، وايضا إيقاف وزيرة القضاء الاسرائيلية، التي تعمل على إصدار قرار لمحاكمة الاطفال الفلسطينيين من سن أثني عشر عاما.
وبالمناسبة، احيل المنظمات الاممية، والرئيس اوباما، وكل ذي صلة بما جاء على لسان نتنياهو اول امس الثلاثاء، عندما دافع عن عدم تقديم لوائح اتهام لليهود الصهاينة، الذين حرقوا عائلة دوابشة، وعدم تقديمهم للمحاكمة، يقول: إن "المشكلة"، هي، ان هذه ليست شبكة منظمة (ياسلام، وهل احمد كان في شبكة منظمة؟) إنهم ابناء 15 و16، أذكياء جدا (واحمد القدسي ابن ال13 وذكي جدا جدا) وجدوا الطريق لعمل ما فعلوه (وهو ما فعله احمد، ان اصريتم على توجيه الاتهام له) دون ان يتواصلوا، يصعب جدا ضبطهم؟" ولماذا يتم ضبط احمد والاطفال ال300 القابعون في سجون دولة التطهير العرقي الاسرائيلية؟ دققوا قليلا، واجيبوا على رئيس وزراء اسرائيل وشاكيد.