السفينة والقناة والمستقبل

حجم الخط

عمر حلمي الغول يكتب

لن اضيف جديدا للقارىء حين اؤكد ان حادث السفينة “إيفر غيفن” في قناة السويس، الممر المائي العالمي الإستراتيجي الذي إنتهى بصعوبة وبعد ما يزيد عن 72 يوم الأحد الماضي الموافق 28 آذار/ مارس الماضي (2021) لم يكن عاديا، ولا وليد الصدفة، ولا ايضا ناتج عن شدة الرياح، انما عن سبب بشري متعمد وهادف للإضرار بمصالح مصر الإستراتيجية. لا سيما وان السفينة عملاقة، وخصائصها من حيث الطول والعرض والعمق والحمولة تؤهلها لتجاوز هذا البعد، فهي حسب المعلومات المنشورة في المواقع ذات الإختصاص يصل طولها حوالي 400 متر، وعرضها 59 مترا، وعمقها 15,7 متر، وحمولتها 219 الف طن. وهي من الطراز العملاق والحديث، وتم بناؤها عام 2018، اي انها مؤهلة لتفادي كل الفرضيات والسيناريوهات المتداولة والمعروفة في حوادث السفن التقليدية.

وما يعمق من إحتمالية حدوث الإعتراض بخلفية مقصودة، وليست عفوية، ما اثارتة ونشرتة وكالة نوفوستي الروسية من صور للسفينة قبل دخولها القناة، حيث سلكت مسارا دائريا غير مبرر، وليست السفينة مضطرة له، مما يشير إلى أن العملية مقصودة ومتعمدة وغير بريئة. والسفينة لم تجنح، انما اخذت سلوكا إعتراضيا، مما أدى إلى ازمة حقيقية في التجارة العالمية، مع حؤول السفينة إيفر غيفن حاملة العلم البنمي، والتابعة لشركة تايلندية، والمملوكة لشركة يابانية للسفن بالمرور من القناة ذهابا وايابا، ووفق معلومات جهات الإختصاص وصل خط السفن العالقة حتى الهند، وهو ما آثار مجددا طرح إيجاد طرق وممرات بديلة عن القناة. وهذا الأمر ليس وليد اللحظة الراهنة، انما يعود تاريخ إثارته إلى العام 1963، والذي اثاره معهد لورنس ليفرمور الأميركي، عندما طرح العالم اليكس ويلرشتاين، مؤرخ العلوم في معهد ستيفنيز للتكنولوجيا الفكرة أنذاك بشق قناة داخل اراضي دولة المشروع الصهيوني. وللعلم هذا المشروع جري إنضاجه منذ أكثر من عامين، وقد تكون القيادة الصهيونية بدأت في شق قناة تربط بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، أو هي قاب قوسين او ادنى من الشروع ببناء القناة المزدوجة.

كما يلاحظ من جملة التطورات والأحداث التي جرت وتجري ويمكن ان تجري في مصر المحروسة، ورغم ان بعضها حدث بالصدفة المحضة (حادث تصادم القطارين في سوهاج، وإنهيار مبنى قبل ايام قليلة) غير ان هناك العديد من الأعمال إستهدف ويستهدف زعزعة إستقرار ارض الكنانة، منها سد النهضة الأثيوبي، عمليات الإرهاب المتوالية، والسفينة متعددة الجنسيات، وباء كوفيد 19، وفتح معارك جانبية على طول حدودها البرية والبحرية، جميعها ترمي إلى إبقاء مصر تحت دائرة الخطر، وفي حالة دفاع عن الذات، ولحرمانها من إستعادة دورها القومي والإقليمي المركزي، لإن قوى الأعداء لا تريد لمصر ان تنهض وتستعيد عافيتها ومكانتها.

إذا حادث السفينة لم يكن حادثا عرضيا، انما تقف وراءه جهات معادية، وهادفة لإظهار فشل قناة السويس كممر إستراتيجي، ودعوة العالم للتفكير بايجاد ممرات بديلة، وأول من فكر ويفكر بهذا الخيار هو العدو الصهيو اميركي، لإنهم اصحاب مصلحة حقيقية في تمزيق وحدة مصر، وما الحديث منذ اعوام قليلة ماضية عن شق قناة البحرين إلآ عنوانا لهذة المؤامرة. ومع عودة الإدارة الديمقراطية بقيادة بايدن، تكون عادت معها فكرة تمزيق وحدة مصر إلى خمس دويلات، التي قادها الرئيس الأميركي الأسبق باراك اوباما ووزيرة خارجيتة آنذاك، هيلاري كلينتون عبر تركيب جماعة الإخوان المسلمين أو غيرهم بعد فشلهم في تنفيذ المخطط الأميركي خلال العقد الماضي على رأس القوى المناهضة والمستهدفة لوحدة الأرض والوطن والمجتمع المصري. خاصة وأن الإدارة الأميركية تعمل مع أجهزة الأمن الإسرائيلية والغربية الرأسمالية على إعادة إنتاج قوى إرهابية جديدة بمسميات جديدة، ولكنها من رحم جماعة الإخوان المسلمين وبناتها الجماعات التكفيرية، التي بات امر تغييرها ضرورة، لإنها أمست بضاعة فاسدة ومكشوفة، ورائحتها تزكم الأنوف.

هذة التطورات الجارية في مصر وحولها، والتي تستهدفها تحتم على القيادة السياسية المصرية، والخبراء الإستراتيجيون المصريون التوقف مليا امام ما جرى ويجري، وسيجري، ووضع الخطط الكفيلة بمواجهة التحديات، وبناء تحالفات عربية وإقليمية ودولية مغايرة لما هو قائم الآن. الكرة في ملعب القيادة المصرية أولا وثانيا … وعاشرا.