ماذا تقول 36 قائمة انتخابية؟

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

بلغ عدد القوائم الانتخابية المقدمة لخوض الانتخابات في اليوم الأخير المحدد لتقديم القوائم المرشحة ستا وثلاثين قائمة، منها سبع صُنفت كقوائم حزبية، وسبع عشرة قائمة مستقلة وثلاث قوائم تمثل حراكات قطاعية ومطلبية شبابية وأربع قوائم عشائرية وعائلية وخمس قوائم يمكن تصنيفها كقوائم توافقية سياسية ونقابية وجغرافية.
كثر من ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي انتقدوا ارتفاع عدد القوائم المسجَّلة، وبرأيي أن ارتفاع عددها ليس هو المشكلة وليس مثلباً يُسجّل عليها.. بل يمكن اعتباره أمراً طبيعياً نظراً لطول فترة غياب الانتخابات، وبالتالي فإن الأجدى أو ما يجب الوقوف أمامه هو الأسباب التي دفعت إلى مضاعفة عدد القوائم إلى أكثر من ثلاثة أضعاف عددها في انتخابات 2006، وبنظري فإن الإقبال الكبير على تشكيل القوائم الانتخابية هو من الظواهر الإيجابية الدّالة على حيوية المجتمع وتوقه إلى المشاركة في الحياة السياسية، وتعبِّر فيما تعبِّر عنه من رغبة عارمة في كسر الاستقطاب واحتكار الأحزاب والفصائل للعملية السياسية في القرار، كما يعكس أيضاً ارتفاع عددها تدهور علاقة الأحزاب بالجماهير وممارسات ومظالم سياسية واقتصادية واجتماعية وما آلت إليه أمور التشريع في البلاد أدّت إلى انفضاض الجمهور وتشكيل قوائم مستقلة عن المكونات التاريخية.
بالمختصر المفيد لا بد من الإدراك والوعي أن ستة عشر عاما من الانقسام وما رافقه من دمار أو انتحار سياسي وتراجع الديمقراطية وسياسة العقوبات الجماعية المتبادلة واستخدام الجمهور في الصراع رغم إرادته وبعيداً عن خياراته وأولويات أوجد رغبة جادة لدى ممثلي الرأي العام والشارع عموما في إحداث تغيير معتبر ووازن في الخارطة التنظيمية والحزبية التي أطالت من أمد الانقسام الداخلي، كنتاج مباشر للسياسات الحزبية الضيقة.
نعم إن تشكيل ست وثلاثين قائمة يشي بأن الشعب الفلسطيني أمام لحظة تاريخية ومحطة نوعية قد تفتح على آفاق تغيير إيجابي، لحظة تعقب حالة صمت مدوٍ للرأي العام استمرت ستة عشر عاماً اختزن فيها الجمهور رغبته الكامنة في الخلاص ومغادرة دوائر الأزمة والتراجع والتنابذ الداخلي..خرج الرأي العام ليقول رأيه بشكل أولي عبر قائمة طويلة ومتنوعة من القوائم الانتخابية وهي بمثابة رسالة احتجاج واستنكار للمكونات التاريخية وعلى رأسها الفصيلان الرئيسان اللذان تسببا بالانقسام والاستقطاب الثنائي المقيت.
صحيح أن تعدد القوائم سيسهم في تشتيت الأصوات وتفتيتها، لكن الصحيح أيضا أنه يمنح القوائم فرصة في منع أي كتلة انتخابية من امتلاك حق «الفيتو» وبما يقود إلى إعادة مشهدية الهيمنة والاستفراد بالقرار السياساتي والتشريعي، كما سيؤدي إلى خروج القرار من يد الأكثرية الأوتوماتيكية إلى احترام الأقليّات ورأيها ومشاركتها وسيكون لتحفظاتها الأثر المطلوب في منع الاحتكار والسيطرة على مقاليد الأمور بما فيها استعادة تقاليد الرقابة على الأداء الحكومي دون إعطاء «فرمانات» الثقة على غاربها وعلى أساس الانحيازات التلقائية وطبعتها العشائرية.
سيكون للأقليات شأنها من جميع التصنيفات التي ستفرزها الانتخابات مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدداً واسعاً منها لن يكون مقدراً له اجتياز العتبة الانتخابية..والخروج من حالة أصبحت فيها الأقليات الحزبية متجاوزاً عليها أو كأحد شهود الزور أو ضمن الأغلبية الصامتة أو كالذي يسقط واجبه في ممارسة أضعف أنواع الإيمان.
وفي كل الأحوال فإن كثرة القوائم المرشحة حتى في حال عدم تحقيق أغلبيتها النجاح؛ تمثل نقطة في آخر سطر مرحلة سياسية وتنظيمية قد تغيرت بعض معالمها وسماتها.  
لم تستطع أحزاب اليسار توحيد ذواتها في قائمة واحدة رغم جهود الحريصين عليه وسعيهم لتليين الموقف الجمعي لمكوناته، ليأخذ نصيبه الأعلى من التيار اليساري والديمقراطي في المجتمع، المشكلة تكمن في أن فصائله لا تعترف بحجومها وحجوم غيرها، أو تبالغ في حجمها وحجم غيرها، والمؤكد أنها بحاجة إلى مزيد من التجارب الكارثية لكي تتعظ وتستخلص الدروس مع تمنياتي بأن لا يكونوا  قد تأخروا وفاتهم الندم؛ لأنهم لم يقدروا الأمور كما يجب واستخفوا بأهمية الائتلاف كقوى يسار.
وأخيراً، الصمت الذي علا صوته في أول محطة بدت متاحة للتغيير عبر بشكل لا يقبل الجدل عن عدم رضاه عن ما آلت إليه الأمور في الشأن العام خلال سنوات الانقسام، وها هو يخرج للعلن ليعبر عن رغبته الجارفة في اللحظة المناسبة للتغيير واستعادة صوته ودوره، وليؤكد أن صمته لدهر من الزمن لا يعني البتة أنه استسلم لليأس، وما نأمله أن تأتي نتائج الانتخابات بمستوى التوقعات الكبيرة المعلَّقة عليها من الجمهور العريض الذي فاض فيه الكيل ويرنو نحو التغيير من خلال الانتخابات التشريعية التي تُعد مدْخلاً منهجيا للشعب الفلسطيني إلى فضاءات جديدة أكثر تفاؤلا وأوسع مشاركة، لتخطي مرحلة أكلت من اللحم الحيّ ووصلت حد العظم.