بالأرقام والحقائق: مشروع الاستيطان.. فَشِل

20151311211553
حجم الخط

 منذ سنوات هناك جدل داخل الجمهور الإسرائيلي حول مستقبل الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني. للأسف فإن هذا الجدل يدور حول المسألة الخطأ؛ مسألة "المناطق"؛ هل يوجد شريك أم لا. ولن تكون هناك اجابة حاسمة. وهي لن تساعد في النقاش ولو بخطوة واحدة. الشق الثاني من السؤال الاساسي هو الجزء المهم فعليا – شريك في ماذا؟ للاجابة على هذه الاسئلة الجوهرية يجب العودة الى الارقام والحقائق. صحيح أن الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية أنشأ خلال السنوات نوعاً من التوسع، حيث بوساطة مستوطنات صغيرة وبؤر استيطانية غير قانونية تم وضع الاوتاد في التجمعات الفلسطينية القروية، لكن عند النظر الى الارقام الجافة فان الصورة تختلف قليلا. الاستيطان الاسرائيلي في الضفة لن يصل الى مستوى السيطرة، لا من ناحية السكان بالمقارنة مع السكان الفلسطينيين (اليهود يشكلون فقط 13.5 بالمئة من مجموع السكان في الضفة)، ولا من ناحية الاراضي التي تسيطر عليها المستوطنات فعليا (4 بالمئة من أراضي الضفة). الاستيطان الاسرائيلي لا يعتمد على الزراعة أو الصناعة أو البحث والتطوير المحلي. فعليا توجد فقط 400 عائلة اسرائيلية تفلح الاراضي في الضفة (الاعتماد على عمال فلسطينيين). الاراضي التي هي اراض زراعية لليهود في الضفة تبلغ 100 ألف دونم، تشكل 1.5 بالمئة من اراضي الضفة، واغلبيتها توجد في غور الاردن. في "يهودا" و"السامرة" هناك منطقتان صناعيتان فقط هما ميشور أدوميم وبركان حيث إن 95 بالمئة من العمال فيها هم من الفلسطينيين. 60 بالمئة من قوة العمل الاسرائيلية في الضفة تدخل يوميا الى اسرائيل. لهذا فان مشروع الاستيطان الذي هو مشروع شريحة واحدة من السكان، دينية، قومية ومسيحانية، فشل في هدفه، ولم ينجح في تهيئة الظروف لضم الضفة. حتى لو كان الرئيس محمود عباس قبل اقتراح ايهود اولمرت في حينه وهو اعطاء اسرائيل 6.5 بالمئة من اراضي الضفة الغربية، رغم الاضرار بالتواصل ونسيج الحياة لعشرات القرى الفلسطينية – لا توجد لدى اسرائيل امكانية لاعطاء فلسطين اراضي بهذا الحجم. إن فحص جميع الاقتراحات الرسمية وغير الرسمية لإسرائيل يُظهر أنه لا يمكن تبادل الاراضي بنسبة تزيد على 4 بالمئة، وكل اضافة تعني الضرر الكبير لعشرات المناطق الاسرائيلية داخل الخط الاخضر. إن تبادل الاراضي بنسبة 4 بالمئة يترك 4 من بين 5 اسرائيليين في منزلهم تحت السيادة الاسرائيلية. وهذا مقرون باخلاء 30 ألف عائلة. هل تستطيع اسرائيل استيعاب عدد كهذا؟ الجواب هو نعم. وقد واجهت اسرائيل بنجاح موضوع استيعاب مليون مهاجر جديد من الاتحاد السوفييتي سابقا. في العقد الاخير اوجدت اسرائيل 80 ألف مكان عمل جديد كل عام، وهناك حاجة ايضا الى 6 آلاف وحدة سكنية كل عام لمدة خمس سنوات. وحسب الوضع اليوم فان الحاجة للسكن المخطط في اسرائيل، مع الأخذ في الحسبان الطلب السنوي الدائم، ستكون أكبر كثيرا. وستكون الميزانية المطلوبة لتعويض الاخلاء في حال عدم حصول اسرائيل على المساعدة الدولية، تستدعي زيادة تبلغ 2 بالمئة فقط من ميزانية الدولة. لا مناص من اقامة عاصمتين في القدس. هنا ايضا توجد أكثر من امكانية للتنفيذ. معظم الاقتراحات لتقسيم شرقي القدس، المنطقة التي ضمتها اسرائيل في العام 1967، تعتمد على المبدأ الديمغرافي والفصل القائم أصلا داخل المدينة: 12 حيا يهوديا لاسرائيل، 28 قرية وحيا عربيا في القدس الشرقية لفلسطين. وهناك خياران حول البلدة القديمة، إما أن تقسم السيادة حسب الوضع الديمغرافي الامر الذي سيبقي في أيدي اسرائيل الحائط الغربي وحارة اليهود والحي الارمني وجبل صهيون؛ وإما أن تُدار المنطقة من قبل جهة دولية وبالتعاون مع الاطراف. فيما يتعلق باللاجئين فان المسألة أقل تعقيدا مما تصورنا – المطلوب هو الاتفاق على الرقم. الاقتراحات التي قدمها الطرفان تتحرك بين 5 آلاف لاجئ كما تقترح اسرائيل وبين 100 ألف لاجئ كما يقترح الفلسطينيون. الارقام ليست كبيرة من ناحية التأثير على الديمغرافيا في اسرائيل. ويضاف الى ذلك أنه في اطار الاتفاق الشامل سيزول 300 ألف من السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية من التعداد السكاني لاسرائيل. أي أن التأثير سيكون أقل من تأثير عدد اللاجئين الذين سيعودون. لكن حتى يطبق اتفاق معين يجب أن يكون حراك سياسي من ناحية برامج الاحزاب وموقف رئيس حكومة اسرائيل والوزراء وأعضاء الكنيست. لكن الواقع السياسي الحالي يؤدي الى استنتاج واضح هو أن اسرائيل ترفض اقامة الدولة الفلسطينية، ونتنياهو وعد في الانتخابات الاخيرة بأن لا تقوم دولة فلسطينية خلال ولايته، وهذا ما يريده الوزراء في حكومته. في الكنيست الصورة متوازنة أكثر. فمقابل 44 عضوا يرفضون التقسيم ("الليكود" و"البيت اليهودي" و"اسرائيل بيتنا")، واضافة الى 23 عضوا مترددين ("كلنا" و"ديغل هتوراة")، هناك 53 عضوا يؤيدون ("المعسكر الصهيوني" و"ميرتس" و"يوجد مستقبل" و"القائمة العربية المشتركة"). لكنهم في الوقت ذاته يضعون شروطا للاتفاق منها بقاء القدس موحدة تحت السيادة الاسرائيلية. الحراك السياسي الاسرائيلي في هذه الاثناء، من اجل تأييد حل الدولتين، مقيد بأربعة شروط هي تغيير موقف رئيس الحكومة، الانشقاق في "الليكود"، تغيير تركيبة الحكومة، وتوفر الظروف للتوافق بين احزاب المعارضة. من الواضح أن احتمالية حدوث ذلك ضئيلة. في الطرف الفلسطيني الصورة مختلفة ومعقدة. فعباس يناضل على مكانته في م.ت.ف وعلى طريقه السياسي أمام الكثير من معارضيه ممن في معسكره. وفي خارج معسكره توجد "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، والتي ما زالت تؤمن بطريقها رغم بعض التصريحات البراغماتية، حيث ترفض الاعتراف باسرائيل وترفض الاتفاق الدائم معها. لذلك فان قدرة عباس على تحقيق الاتفاق مشروطة بالتأييد العربي والدولي، وبما يتلاءم مع المبادرة العربية وخطة بيل كلينتون، الامر الذي يرفضه نتنياهو وخصوصا في موضوع حدود القدس. ماذا يعتقد الجمهور؟ في الطرف الفلسطيني لا توجد انتخابات ديمقراطية منذ سنوات، والمجتمع منقسم بين من يؤيدون "الارهاب" و"حماس" وبين من يؤيدون طريق عباس السياسية. ويعتقد الجمهور الفلسطيني أن طريق عباس لن تحقق النتائج، ولن تخفف من الظروف الحياتية، لذلك هناك من يتوجه الى العنف. حسب استطلاع جديد أجري في ايلول في اوساط الجمهور الفلسطيني فان 51 بالمئة يعارضون حل الدولتين و48 بالمئة يؤيدونه. في الطرف الاسرائيلي ايضا يجب الاعتراف بأن الحركة الصهيونية لن تتلهف على تقسيم البلاد. الموافقة على فكرة التقسيم من العام 1937 وقبول قرار التقسيم من العام 1947 كانا نتيجة لقراءة صحيحة للواقع الديمغرافي حيث كانت أقلية يهودية في اسرائيل، الامر الذي منع اقامة الدولة اليهودية على كل اراضيها. كانت حرب "الايام الستة" فرصة للسعي الى كامل البلاد. نافذة الفرص للاتفاق مع الفلسطينيين فتحت قبل "اوسلو" بسبب تغيرات دولية مثل انهيار الاتحاد السوفييتي، وتغيرات اقليمية مثل حرب الخليج الاولى، وتغيرات محلية مثل الانتفاضة الاولى. كل ذلك دفع الاطراف الى الاعتراف المتبادل والتوقيع على اتفاقات اوسلو. اليوم يعتبر الاسرائيليون أن الواقع افضل، حيث ليس مطلوبا تنازلات، ويمكن الابقاء على الوضع القائم وادارة الصراع، كما تقول الحكومة. الوضع الاقتصادي وموقف الولايات المتحدة وضعف العالم العربي وضعف "حماس"، كل ذلك يضمن التفوق والاستقرار الاسرائيلي. وتغيير هذا الموقف يتم فقط اذا تم استيعاب تأثيرات الوضع القائم في المستقبل، فقط اذا تم استيعاب التهديدات التي يحملها في ثناياه على إسرائيل كدولة ديمقراطية ويهودية.  عن "هآرتس"