هاجس خوفٍ وقلق يُخيم على المواطنين من تلقي لقاحات كورونا بسبب الأثار الجانبية المحتملة لها، بعد وصول عشرات الآلاف منها إلى قطاع غزّة بدعمٍ من دولة الإمارات العربية وجمهورية الصين، لكنّ العزوف عنها تسببه به التخوف من آثاره المستقبلية رغم تطمينات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية.
وفي مقابل ذلك قررت فئة أخرى من المواطنين خوض التجربة، بسبب قناعاتهم بضرورة تلقي اللقاح، لاسيما في ظل انتشار الفيروس كالنار في الهشيم في المجتمع الفلسطيني وعلى وجه الخصوص في قطاع غزّة، وسرعان ما ثبت لهم بعد الحصول على الجرعة الأولى أنّه لم يُشكل أيّ خطر على صحتهم.
شهادات حية
بمشاعرٍ يملؤها الخوف والقلق، توجَّه المواطن الغزّي كريم أبو شعبان البالغ من العمر (32 عامًا)، لتلقي اللقاح الخاص بفيروس "كورونا" في مستشفى الشفاء الطبي، حيث تقدم أولى خطواته بقلبٍ خائفٍ مرتجف، حتى زال ذلك فور تلقيه الجرعة الأولى من لقاح "فايزر"، ورغم تلك التخوفات إلا أنّه قرر خوض التجربة إيماناً منه بضرورة حماية نفسه وعائلته.
وقال أبو شعبان خلال حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "بعدما تلقيتُ الجرعة الأولى من اللقاح عاود الخوف والقلق ينتابني مرة أخرى، نتيجة عدة أعراض جانبية شعرتُ بها كالوهن العام والصداع، والتي استمرت لساعات قليلة ثم بدأت بالاختفاء".
ودعا المواطنين إلى التوجه للمركز الطبي، من أجل تلقي اللقاح، ومكافحة تفشي الفيروس، وإعادة الحياة إلى وضعها الطبيعي، مُؤكّداّ على أنّ اللقاح فعال ويقي من الإصابة بالفيروس.
أما المواطن محمد الخيري (31عامًا) من مدينة غزّة، خطى خطواته الأولى نحو مستشفى الشفاء لتلقي اللقاح، بثقة واقتناع تام باللقاح، حيث قال: "بعد استفسارات عديدة من جهات ذات اختصاص، اقتنعت جداً به".
وأوضح الخيري لـ"خبر"، أنّه أصيب بالفيروس قبل تلقيه اللقاح بأربعة شهور، مُشدّداً على أنّه لم يظهر عليه أيّ أعراض جانبية بعد تلقي اللقاح.
ووجه الخيري من خلال تجربته، نصيحةً للمواطنين خاصةً فئة كبار السن بضرورة تلقي اللقاح وعدم الخوف منه، لتقليل عدد الإصابات، وإعادة دائرة الحياة إلى ما كانت عليه قبل الجائحة.
بينما المواطنة رحاب أبو سلطان ( 54عامًا) التي تعاني من أمراض مزمنة، روت تجربتها مع اللقاح، قائلةً: "تلقيتُ الجرعة الأولى من اللقاح وسط تزاحم المشاعر المخيفة، وسرعان ما بدأ ذلك الشعور بالاختفاء فور تلقي الجرعة الأولى".
وحول الأعراض الجانبية التي ظهرت عليها بعد اللقاح، بيّنت لـ"خبر"، أنّها شعرت بدوار شديد استمر لعدة ساعات فقط، لافتةً إلى أنّ اللقاح آمن ولا يُشكل خطراً على صحة المواطن، وهي الآن تنتظر موعد الجرعة الثانية.
أعراض اللقاح لا تستدعي القلق
من جانبه، قال مدير دائرة مكافحة العدوى في وزارة الصحة بغزّة، د. رامي العبادلة: "إنّ ظهور أعراض جانبية على بعض المواطنين، بعد تلقيهم الجرعة الأولى من لقاح "كورونا" يُعتبر أمر طبيعي ولا يستدعي القلق، ويُدلل على أنّ الجهاز المناعي لديهم قوي وبدأ يتفاعل مباشرةً مع اللقاح.
وأوضح العبادلة، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنّ الأعراض التي قد تظهر بعد تلقي اللقاح، تختلف من فئة عمرية إلى أخرى، وهي تعتمد على مدى قوة الجهاز المناعي لدى الشخص، مُؤكّداً على أنّ كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 60عاماً فما فوق، عادةً لا تظهر عليهم نهائياً أيّ أعراض بعد تلقيهم التطعيم.
وأضاف: "أكثر الفئات العمرية التي تظهر عليها أعرض بعد تلقي اللقاح هم فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم من 45 عامًاً فأقل، ويعود ذلك إلى قوة الجهاز المناعي لديهم، على عكس كبار السن".
وحول وصف الأعراض التي تظهر على بعض المواطنين بعد تلقي اللقاح، بيّن العبادلة، أنّ الأعراض التي تظهر عند فئة الشباب، عبارة عن ارتفاع طفيف في درجة الحرارة مع آلام في العضلات"، مُنوّهاً إلى أنّ المدة الزمنية لتلك الأعراض عادةً تكون 48 ساعة، وتظهر على الشخص بدءً من مساء اليوم الأول من تلقيه التطعيم وتستمر حتى اليوم الثاني ثم تبدأ بالاختفاء.
وفيما يتعلق بسبب إصابة بعض المواطنين بالفيروس رغم حصولهم على الجرعة الأولى من اللقاح، كشف العبادلة، أنّ ذلك يعود إلى أنّ الجرعة الأولى لا تعطي المناعة الكافية ضد الفيروس، مُشيراً إلى أنّه حتى يكتسب الشخص مناعة كافية تصل لـ95 % يجب أنّ يمر عليه بعد تلقيه الجرعة الثانية من اللقاح 21 يوماً.
أما عن مدى فعالية هذه اللقاحات، قال: "إنّ اللقاحات المتوفرة تتمتع بفعالية عالية، وتحمي المواطن من الإصابة بالفيروس بنسبة كبيرة تتراوح من 92 لـ95%"، مُنوّهاً إلى أنّه في حال إصابة أيّ شخص بالفيروس بعد تلقيه الجرعتين، فإنّ ذلك لن يُشكل خطراً عليه وتُصنف إصابته بالطفيفة جداً ولن يعاني من أيّ آلام نتيجة تلقيه اللقاح.
وتابع: "ما يدلل على فعالية اللقاحات، أنّ بعض الأشخاص تلقوا اللقاح وأصيب جميع أفراد عائلاتهم بالفيروس باستثنائهم، نتيجة تلقيهم التطعيم".
ونفى العبادلة، أنّ يؤدي اللقاح إلى وفاة مواطنين في حال تلقيهم التطعيم وهم مصابين بالفيروس، لافتاً في ذات الوقت إلى أنّ منظمة الصحة العالمية حذّرت من تقديم لقاحات "كورونا" للأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض الفيروس، بهدف أنّها لا تريد إشغال جهاز المناعة ما بين الفيروس الحقيقي ومركب اللقاح.
وأكّد على أنّ وزارة الصحة لم تُسجل أيّ حالة وفاة، لأيّ مواطن بعد تلقيه اللقاح، ولم يستدعي دخول أيّ حالة إلى المستشفى بعد تلقيها اللقاح.
اللقاحات لا يوجد بها فيروس "كورونا"
وأكمل: "اللقاحات لا يوجد بها فيروس كورونا، بل هي مكونة من أحد مركبات الـ"كورونا، وهي بروتين الفيروس، وليس فيروس كامل".
وبالحديث عن المدة الزمنية بين الجرعة الأولى والثانية، بيّن أنّ المدة تتفاوت من لقاح لآخر، حيث إنّ الفترة الزمنية للقاح "سبوتنيك" الروسي و"فايزر" الأمريكي تبلغ 21 يوماً، بينما اللقاح البريطاني "أسترازينيكا" تتراوح المدة الزمنية فيه ما بين الجرعة الأولى والثانية من 4 إلى 6 أسابيع.
ووفقاً للعبادلة، فإنّه في حال اكتفى المواطن بجرعة واحد من اللقاح فإنّ ذلك لا يُشكل أيّ ضرر على صحته، ولكن يُفضل أنّ يحصل على الجرعتين حتى يحصل على المناعة الكافية لمقاومة الفيروس، مُشيراً إلى وجود إقبال كبير على تلقي اللقاحات.
واستطرد: "تلقينا وعود بإدخال كميات جديدة من اللقاحات إلى قطاع غزّة، ولكنها لم تصل حتى اللحظة"، ُمنوّهاً إلى أنّ الكمية الموجودة من اللقاحات لن تكفي وستنتهي في مدة تتراوح من أسبوعين إلى 3 أسابيع، في حال استمر هذا الإقبال على تلقي اللقاح.
ودعا المواطنين إلى التوجه للمراكز الطبية لتلقي اللقاح، وتحصين أنفسهم وأسرهم من خطر الفيروس.
أما عن عن الوضع الوبائي في قطاع غزة، قال العبادلة: "إنّ المنحى الوبائي مازال في ارتفاع، ونتوقع زيادة الإصابات إلى أكثر من 2000 إصابة، لافتاً إلى أنّ عدد الإصابات يعتمد على كمية الفحوصات التي يتم إجراءها يومياً".
واختتم العبادلة حديثه، بالقول: "إنّ المنحى الوبائي سيستمر بالارتفاع، حتى يصل إلى الذروة والتي من المتوقع انّ تكون ما بين 10 إلى 20 إبريل الجاري".
يُذكر أنّ وزارة الصحة أعلنت أنّ إجمالي الجرعات التي وصلت للقطاع بلغت 81600 جرعة وهي تكفي لـ 40800 شخصاً، فيما بلغ إجمالي الأشخاص الذين تلقوا اللقاح حتى هذه اللحظة 29014 شخصاً.