رحل نادر العفوري أحد ابرز ردّاف الصمود في أقبية التحقيق والتعذيب والموت ، وبكاه من تبقى من شعب كامل من الجليل الى رفح ، فقد قال عنه القائد الكبير بسام الشكعة : انه أحد أبرز حراس نابلس ، فهل مضى هذا الحارس ، وهل بقيت نابلس بدون حراسة . لم يكن نادر يسير على قدميه ، بل على كرسي متحرك ، وكذلك بسام الشكعة ، لكن ما قصده الشكعة في حراسة نابلس هو وعيها وانتماءها وارادتها وذاكرتها واصرارها وتصميمها وحلمها وبهاءها وعزتها وارثها و زيتونها و شرفها ، الذي كان نادر والشكعة والمئات من صناديدها يمثلون جوهر حراستها .
قبل اقل من ستة أشهر ، كان نادر العفوري هنا ، في مخيم الدهيشة ، يومها كتبت في مقالتي الاسبوعية لجريدة القدس : "علّم القائد الشهيد أنطون سعادة ان الحياة بطولها وعرضها ، حلوها ومرها ، عبارة عن وقفة عز ، يستطيع وقفها كل انسان بغض النظر عن لونه ودينه ،غناه و فقره ، ما علّمه ايضا القائد الشهيد غسان كنفاني عندما قال ان الانسان قضية ، وعند مذبح ما قالاه ، سعادة وكنفاني ، دفعا حياتهما ثمنا لذلك ، الاول عن 45 سنة عام 1949 والثاني عن 36 سنة عام 1972.
منذ تلك السنين الطويلة ، لطالما وقف المئات والالاف من ابناء هذه الامة ، وقفة العز ، آخرهم الاسير ماهر الاخرس الذي يقارب في امتناعه عن الطعام والشراب مئة يوم ، و نادر العفوري الذي حضر الى الخيمة . تعرض في سبعينيات القرن الماضي الى تعذيب جسدي لا يحتمله انسان ، وامضى نحو خمس سنوات في الاعتقال الاداري الذي لم "تفطن" القيادة عند توقيع اتفاقية اوسلو ان تشترط إلغاءه او وقفه ، لان المتفاوضين الذين استبدلوا بالخارج بدلا من الداخل ، لم يجربوه.
إن وقفة العز التي يجسدها الماهر في اضرابه والعاروري في مجيئه ، تضاهي في بلاغتها الاساطير والشهداء والقديسين والقساوسة و الشيوخ ، فيطردا عنا ما لحق بنا من ضعف وهوان ، ويشطبا من قاموسنا المختل مفردات السلام الكاذب والعدو الصديق وموقف اللا موقف وسياسة اللعم ، والتنسيق المقدس وبيانات الشجب الرعناء والتهديدات الفارغة واخوة النظام العربي وأمة الاسلام.
حضوره فتّح جروحنا وقريحتنا ، فغنينا له : في سجن الخليل زرعنا الجوري / وردتنا الحمرا نادر عفوري / بكماشة حديد نزعوا حلماته.. بكيّ السجاير شووا لحماته / مهما الصهاينة شلّوا حركاته / نادر عفوري فجر بركانا / زيدي يا جبهة بابطالك زيدي / نحن عن دربك والله ما نحيدي / غسان كنفاني كتب القصيدة.. ونادر بصموده غنّى الموالا "
أعيد نشر مقتطفات المقالة غداة الرحيل ، علّ الحراسة في نابلس تستمر بعد ترجل حارسها ، وكذا في الدهيشة والجليل ورفح ، وعسى يتنبه الرفاق الحراس الاستمرار في حمل هذا الارث الثقيل الممتد من الكنفاني الذي كتب القصيدة الى العفوري الذي غنى الموالا .
مع السلامة ايها العفوري الحبيب .. لقد وفيت وكفيت ، اكثر من جيش عربي ، صام عن القتال سبعين سنة ، وذهب بعدها مباشرة للتطبيع والتتبيع .
حاشية : في يوم رحيل العاروري ، صادف ذكرى ميلاد الكنفاني قبل 85 سنة .