نافخ بوق الحرب

حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

تواصلت أمس المباحثات غير المباشرة الأميركية/الإيرانية حول الكيفية التي تعود بها الدولتان للالتزام مجددا بالاتفاق النووي الذي كانتا قد أبرمتاه معا ضمن مجموعة 5+1 العام 2015، وتنصلت منه أميركا بعد ذلك بثلاثة أعوام، بعد تحريض إسرائيلي قام به رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض، واستجاب له دونالد ترامب الرئيس الأميركي السابق، والذي حاول لاحقا دفع فرنسا وبريطانيا للتنصل من الاتفاق أيضا، لكنهما لم تفعلا، وإن كانتا في حينها قد اقتنعتا إلى حد ما بضرورة تطوير الاتفاق لصالح تضمينه الصواريخ البالستية الإيرانية، والوجود العسكري الإيراني بالشرق الأوسط، أي بما يحقق أهدافا إسرائيلية، لا علاقة لها بمجموعة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا، التي تعتبر مسؤولة عن السلم العالمي.
أن تتحول مصلحة إسرائيل، أو ما تعتبره شأنا أمنيا وجوديا، إلى مصلحة خاصة برئيس حكومة متهم بقضايا فساد، ويواجه مأزقا متتابعا داخليا، يتجلى بفشله طوال عامين في تشكيل حكومة مستقرة، قادرة على إقرار الميزانية السنوية للدولة، فذلك يعتبر جنونا سياسيا، إن كانت إسرائيل عاجزة عن وضع الحد له، فإن الدول العظمى في العالم، ليست على ذلك القدر من العجز، وإذا كان نتنياهو استغل بشكل قبيح للغاية وجود رئيس متهور في البيت الأبيض، فإن الواقع اليوم قد اختلف، ولأنه يعرف ذلك جيدا، فلم يعد أمامه - أي نتنياهو - إلا أن يقامر بكل أوراق اللعب التي بين يديه.
في الفترة ما بين فوز جو بايدن، ومغادرة ترامب للبيت الأبيض، جن جنون نتنياهو، فسارع على الفور باغتيال محسن زادة، العالم النووي الإيراني، وبدأ سياسة «جر شكل» إيران، لعلها تسارع في الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل، تجعل من العودة الأميركية للاتفاق المبرم العام 2015 أمرا مستحيلا، لكن ضبط إيران للنفس، والرد بحدود فيما يمكن وصفه بحرب السفن التي تواصلت بينها وبين إسرائيل طوال هذه الفترة، فوتّا على إسرائيل ذلك الهدف، بحيث دخلت واشنطن مباحثات فيينا دون رغبة أو موافقة تل أبيب، وهكذا تحول الموقف الإسرائيلي، من منع المباحثات إلى تعطيلها، ومن ثم إلى الخروج بفرض أي شيء إضافي على الاتفاق، لجهة تحسين شروطه لصالح إسرائيل، أي تضمين الصواريخ البالسيتة والوجود العسكري الإيراني كما أشرنا أعلاه، وكما أبلغت تل أبيب وزير الدفاع الأميركي الذي زارها مؤخرا لهذا الغرض.
الغريب في الأمر، هو أن تل أبيب كانت أقنعت كلا من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، بأن إيران تهددهما، وأنها بإقامة علاقات «طبيعية» معهما، يمكن أن توفر لهما الحماية الأمنية، فإذا بها تهدئ من احتمالات قيام الحرب، ارتباطا باليمن مثلا أو بأي خلاف سياسي بين إيران وجارتيها العربيتين/الخليجيتين، لكنها بالمقابل تدخل مع إيران إلى حافة الهاوية، وإلى تخوم حرب بحرية، وحتى استخباراتية، حول الملف النووي، لا علاقة لها لا بالجزر الثلاث محل الخلاف بين الإمارات وإيران، ولا بالحريات العامة في البحرين، محل الجدل بين إيران والمملكة العربية/الخليجية.
والغريب أيضاً، أن إسرائيل المهووسة دائما باتباع سياسة التكتم على أفعالها الشائنة، من مثل الإقدام على الاغتيالات بانتهاك سيادة الدول، أو بالاعتداء على منشآتها الحيوية، كما تفعل مع إيران، وكما فعلت قبل أيام فيما يخص مركز تخصيب اليورانيوم الإيراني، في نطنز، الغريب أن تقدم إسرائيل على تسريب المعلومات التي تؤكد مسؤوليتها عن ارتكاب تلك الأفعال الشائنة، كما قالت نيويورك تايمز، التي سردت تفاصيل العملية لتؤكد مصداقية المصدر الذي سرب لها مسؤولية إسرائيل عن العملية.
والحقيقة أن بنيامين نتنياهو لم يخفِ وهو يحتفل مع أركان قيادته الأمنية، سعادته بالإنجاز، لكن صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة منه هي من قالت بوضوح إن من يقف وراء التسريبات لنيويورك تايمز هو رئيس الحكومة، أما لماذا يفعل هذا، فقد أجابت الصحيفة المقربة منه عن سؤالها بنفسها، قائلة إن نتنياهو الذي يواجه عجزاً في تشكيل الحكومة، يجد مخرجه في تشكيل حكومة طوارئ، يمكنه أن يدعو لها في حالة دخل في حرب مع إيران.
تماما كما فعل العام الماضي بدفع بيني غانيتس لتشكيل حكومة الطوارئ لمدة عامين لمواجهة جائحة «كورونا»، وهذا يؤكد الدافع الشخصي لرئيس حكومة مؤقت، يواجه تهماً قضائية واحتمالاً متزايداً للتقاعد السياسي، بما دفع بعض أوساط اليمين المقرب جداً من الرجل للمطالبة علناً باستقالته أو تنحيته، عن قيادة اليمين الإسرائيلي، نظراً لأنه شخصياً هو من يحول طوال أربع جولات انتخابية، وخلال عامين متتاليين دون تشكيل حكومة يمين صريحة قوية، مع فوز اليمين المتتالي بأغلبية مقاعد الكنيست، لكن مع انقسام اليمين على شخص نتنياهو.
لقد كان أمرا بالغ الأهمية أن تنشر «إسرائيل اليوم» مقالا للمراسل السياسي للصحيفة التي تأسست العام 2007، يطالب فيه نتنياهو بالتنحي حتى يتمكن اليمين من تشكيل الحكومة، وبعد أن اتضح عجزه بعد 4 جولات انتخابية، عن تشكيل الحكومة، وحيث إنه قد اتضحت استحالة تشكيل حكومة بوجوده، بينما هو الشخصية الوحيدة التي لو خرجت من المشهد يمكن تشكيل حكومة تهتم بالاستيطان وتقوم بإصلاح الجهاز القضائي، وتلائم قيم ناخبي نتنياهو، حسب تعبير المراسل السياسي للصحيفة أريئيل كاهانا.
عجز نتنياهو إذاً عن تشكيل الحكومة، رغم تكليفه بتشكيلها، هو عامل إضافي يدفعه رغم تقديرات الإعلام الإسرائيلي بأن الحرب البحرية مع إيران التي يدفع بها، هي معركة خاسرة، إلى الاستمرار في توتير الأجواء مع الدولة الشرق أوسطية، في الوقت الذي تواصل فيه أميركا مع الدول المشاركة في الاتفاق النووي، أي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، المباحثات في فينا مع إيران، بما يدفع هذه الدول لحالة من الغضب تجاه إسرائيل، وبما دفع إيران إلى أن تعلن بالمقابل كرد على الإرهاب الإسرائيلي تجاه منشأتها النووية، عن رفع درجة التخصيب إلى 60% القريبة من نسبة 90% الكافية لإنتاج القنبلة النووية.
السؤال هنا، هو إلى متى ستحتمل أميركا والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن عبث إسرائيل بالأمن والسلم العالميين من أجل تحقيق أهدافها، ثم إلى متى ستحتمل إسرائيل نفخ نتنياهو في بوق الحرب من أجل تحقيق مآربه الشخصية؟!