ملامح باهتة أرهقها التعذيب والمرض، طوقتها نظرات احتشد فيها أسى وبؤس العالم أجمع، وجسد متهالك أثقلته ليالي وأيام التعذيب المجحفة بين ظلمات زنازين العزل الانفرادي على يد سجانٍ لا يرحم، الأسير المحرَّر عويضة كلاب، حفرت سنوات الأسر في وجهه لوحة تُظهر حجم المعاناة داخل السجون، وجعتله يترنّح كجثة شاخصة البصر، عقله يتخبط في اللامعلوم من هول ما رأى، مسحوب من الواقع في عوالم خفية لا يعلمها سوى خالقه فكلُّ الألوان في عينيه توحدت، كل الوجوه بدت له مبهمة شيء ما به قد خبا وهمد إلى الأبد.
23 عاماً من الاحتضار بين ظلمات الزنازين، والتي أُعدم فيها عافيته قبل جسده، حيث التهم جسده انفصام عقلي مزمن أعاث فيه الفساد، جاعلاً منه غريبٌ عاجزٌ يتخبط بين دوامةٍ من التشتت والضياع، مُجرده من الشعور والإدراك والتعرف على من حوله، وقد أطرف ذويه ثُلةً من الأبواب ليُنقذوا ما تبقى منه ولَكِنْ صُمّت الْآذَان وما مِن مُجِيب.
وعلى الرغم من سنوات الأسر التي قضاها "كلاب" داخل سجون الاحتلال، إلا أنّ راتبه مقطوعاً منذ عام 2019م بحسب رواية نجله "عاصف"، كما أنّ كثير من المناشدات لم تفلح بتوفير تكاليف العلاج للمُحرر عويضة.
"كُلَابٌ" هو واحد من بين آلاف الأسرى الفلسطينيين المنفيين في غياهب الزنازين، الذين استنزف الاحتلال أعمارهم عبثاً، ويحيون مبتوري الروح، موؤدي الأحلام، مُنطفئي الشغف، ملسوبي العافية، وسط وابلٍ من زمهرير ليالي التعذيب المجحفة على أيدي سجان لا يرحم، ويقف العالم مكتوف الأيدي أمام ما يُكابده الأسرى في السجون "الإسرائيلية".
وقال نجله عاصف: "إنّه كان يحصل على علاج والده من الحكومة، لكنّه يتناول الآن أدوية أجنبية لا تتوفر لدى المستوصفات الحكومية، ما يضطره لشراء هذه الأدوية بمبالغ باهظة".
وأضاف خلال حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "والدي مُحرر في صفقة شاليط في العام 2011، ولكن تم قطع راتبه منذ بداية عام 2019 حتى يومنا هذا"، مُتسائلاً: "ما الذنب الذي ارتكبه والدي لكي يتم قطع راتبه؟".