في الطريق إلى «العربي الجيّد»..!!

حسن خضر.jpg
حجم الخط

بقلم: حسن خضر

تُعنى معالجة اليوم بما ينفتح من احتمالات على ضوء «التطبيع» بين إسرائيل ودول في الخليج، وتصدر عن قناعة بأن كل مكوّنات مجلس التعاون الخليجي ستجد نفسها على هذه الطريق في وقت قد يطول أو يقصر. وما يعنينا، بقدر ما يتعلّق الأمر بهذه المعالجة، انفتاح الحقل السياسي للفلسطينيين من مواطني الدولة الإسرائيلية على الخليج للمرّة الأولى في تاريخه وتاريخهم.
ولا معنى، في الواقع، لكل كلام في هذا الموضوع دون التذكير بخصوصيات لا غنى عنها. فدلالة الخليج تنطوي على ما هو أبعد من مكوّناته الدولانية، بقدر ما يتعلّق الأمر بنشوء الدولة، وطبيعة نظام الحكم، والهويات المحلية، والتركيب الديموغرافي، والتجربة التاريخية، ومصادر الثروة. ومن بين أوصاف كثيرة قد تكون مناسبة فقد كان هذا الجزء من العالم العربي، وما زال، معقلاً للرجعية والمحافظة الاجتماعية والسياسية، ووجدت فيه أغلب جماعات الإسلام السياسي تربة صالحة، واستفادت من موارده المالية، ومنابره الدعائية، على مدار عقود.
وعلاوة عليه، لا معنى للكلام في هذا الموضوع دون التذكير بانتقال مركز الثقل السياسي من الحواضر العربية التقليدية إلى الخليج. وما يُضفي على أمر كهذا دلالات بعيدة المدى، على مستويات وفي مجالات مختلفة، تتمثل في التحالف مع إسرائيل. ولسنا في معرض التفكير الآن في كيف ولماذا نشأ التحالف المذكور، المهم أنه لا أحد يملك رفاهية تجاهل واقع كهذا، مع كل ما ينطوي عليه من تداعيات إستراتيجية وأيديولوجية.
وما يستحق الذكر، في هذا المقام، أن السياسة الخارجية للخليج قد اتسمت، منذ اندلاع الموجة الأولى لثورات الربيع العربي، بميل متزايد إلى التدخل المباشر، بالقوة إذا استدعى الأمر، كما حدث في ليبيا وسورية، واليمن، علاوة على وسائل وأدوات وسياسات التدخل غير المباشر التقليدية في كل مكان آخر. ثمة علاقة، بالتأكيد، بين انهيار الحواضر العربية، واللجوء إلى سياسة التدخّل المباشر. والمهم، في هذا الشأن، أن الحلف الخليجي - الإسرائيلي يمثل قوّة مالية وعسكرية يصعب التقليل من شأنها، ويُسهم في تعزيز سياسة التدخّل.
ورغم أن القوّة الإيرانية الصاعدة تبدو كعدو أوّل للمتحالفين، إلا أن دلالة التحالف أوسع من هذا بكثير، وقد نكون إزاء محاولة ثانية، بعد مشروع المحافظين الأميركيين الجدد، كما تجلى في احتلال العراق، لإعادة هيكلة العالم العربي على قواعد، وربما خرائط جديدة، وبما يضمن لإسرائيل مكان ومكانة المركز الإمبراطوري الجديد.
ولا معنى لإعادة هيكلة العالم العربي، من وجهة النظر الإسرائيلية دون «تصفية» المسألة الفلسطينية. ورغم أن تعبير «التصفية» يُستخدم على نطاق واسع هذه الأيام، إلا أن أحداً لا يملك تعريفاً دقيقاً لمعنى التصفية. ويدرك الإسرائيليون أكثر من غيرهم، على الأرجح، حقيقة أن التصفية مستحيلة، لأسباب ديموغرافية في المقام الأوّل.
وطالما لا تلوح في الأفق حلول جدية للخروج من هذا المأزق، فإن أفضل مخرج هو التصفية بإعادة التعريف، أي إعادة تعريف الصراع في فلسطين وعليها، من خلال تبني الرواية الصهيونية للصراع، ناهيك عن «لوم الضحايا» عمّا ألحقوه بأنفسهم، وبالآخرين، على مدار مائة عام من العِناد.
(لا أريد الاستفاضة في هذا الموضوع، ولكن بعض المحافظين والرجعيين يعتقد أن المسألة الفلسطينية أعاقت التنمية في العالم العربي، واستنزفت إمكانياته، ومكّنت أيديولوجيات قومية ويسارية من الاستيلاء على الحكم في بلدان مختلفة. شاركتُ في مؤتمرات وندوات دولية، وسمعت هذا الكلام).
على أي حال، تندرج في سياق المخرج المذكور سلسلة كاملة من الخطوات والسياسات بما فيها قانون القومية، ومطلب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وتأمين اعتراف دولي بنتائج حرب 1967، أي حق إسرائيل بالسيادة على ما يعتبر حتى الآن أرضاً محتلة بلغة المجتمع والقانون الدوليين، دون أن يعني هذا منح الفلسطينيين حقوقاً متساوية حتى في حال بسط السيادة على الأراضي المحتلة بالكامل.
وبهذا المعنى، لا إمكانية لإعادة تعريف الصراع في فلسطين وعليها دون مشاركة فلسطينية وعربية تضفي عليه ما يحتاج من شرعية، وتعمل على تزويده بما تقتضي الحاجة من مرافعات أيديولوجية، ونفقات تشغيلية، وأدوات تنفيذية على الأرض، وبالقوة إذا وكلما استدعى الأمر. ومهما تكن حقيقة الأشياء التي ينتظرها الإسرائيليون من حلفائهم الجدد، فمن المؤكد أن المرافعات الأيديولوجية، ونفقات التشغيل، والأدوات التنفيذية، على رأس القائمة.
وعلى ضوء ما تقدّم، يتجلى الحقل السياسي للفلسطينيين داخل «الخط الأخضر» كوسيلة إيضاح مثالية. فسوق الخليج تنفتح أمامهم الآن عبر مروحة واسعة للعمل في الخدمات والإعلام والترجمة وكوسطاء بين المتروبول الجديد وحلفائه الجدد، ناهيك عن استدراج جانب من المال الخليجي في مشاريع التنمية المحلية بدلاً من الإنفاق عليها من موازنة الدولة الإسرائيلية.
والمهم أن هذا لن يحدث، على طريقة ما حدث لعرب وفلسطينيين لا حصر لهم، في زمن الهجرة إلى النفط، وأسهم في توطين وتعميم الإسلام السياسي، بل يحدث تحت عين السلطة الإسرائيلية، ورقابتها، وبالتعاون معها، ومع دراية كاملة باستحالة التلاعب بها، أو «اللعب» معها.
أما بالنسبة لحقلَي السياسة الفلسطينيَّين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالحسابات مختلفة تماماً. وانفتاح السوق المذكورة غير متوقّع، وكذلك الاستثمار في السوق المحلية، قبل ودون إعادة الهيكلة. مع ملاحظة أن الأيديولوجيا مجرّبة ومتوفرة أكثر من الهم على القلب، وكذلك الأدوات التنفيذية، أما النفقات التشغيلية فلن تكون مشكلة في سياق تحويل الفلسطيني إلى «عربي جيّد»، بالمعنى الذي فسّرناه في معالجة سابقة. وهذا، على أي حال، موضوع آخر.