إسرائيل فشلت في عرقلة تقدّم المحادثات النووية رغم خطّها المتصلب

حجم الخط

 بقلم: عاموس هرئيل*



سرّعت إسرائيل سلسلة الهجمات ضد إيران في الأسابيع الأخيرة، بحسب وسائل الإعلام الأجنبية. فبعد سلسلة هجمات نفّذها كوماندوز ضد ناقلاتٍ تهرّب النفط إلى سورية، وقع تفجير أيضاً في سفينة قيادة الحرس الثوري في البحر الأحمر. وفي منشأة نتانز وضع شخص قنبلة ألحقت ضرراً فادحاً بأجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليوارنيوم، قبل وقت قليل من احتفال الإيرانيين بذكرى اليوم النووي الوطني.
إذا كانت هذه الهجمات هدفت إلى حرف الإيرانيين عن دربهم، وإلى الفرض عليهم تقديم تنازلات في المفاوضات التي استؤنِفت بشأن الاتفاق النووي، من الصعب العثور على ما يدل على نجاح هذا الأسلوب. علاوة على ذلك، يبدو أن الدول العظمى ليست مقتنعة أيضاً. ممثلو الوفد الإيراني وكذلك ممثلو الولايات المتحدة يتحدثون في الأيام الأخيرة عن حدوث تقدم في الاتصالات في ڤيينا، والتي تهدف إلى عودة الأميركيين إلى الاتفاق.
وذكرت وكالة الأنباء الروسية سبوتنيك في بيروت، عبر تقرير لها بالعربية، أن روسيا وإيران اتفقتا على إقامة غرفة عمليات مشتركة لتأمين حركة السفن المتوجهة إلى سورية في البحر المتوسط. إذا تبين أن الإعلان في النهاية موثوق به، من المحتمل أن يكون من الصعب على إسرائيل مواصلة هجماتها التي يمكن أن تعرّض قواتها لخطر احتكاك محتمَل بسفن روسية.
هذان التطوران يمكن أن يدلا على أن إسرائيل لا تلعب في ملعب فارغ، ولا تستطيع وحدها أن تفرض مسار الأمور على الرغم من قدراتها العملانية المدهشة التي أظهرتها. ليس لدى إيران وحدها استراتيجيتها الخاصة القادرة على التمسك بأهدافها بحزم؛ أيضاً الدول العظمى لا تُخضِع اعتباراتها لجدول أعمال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
من وجهة النظر الإيرانية، ما حدث هو تراكُم عمليات إسرائيلية تتطلب رداً في هذه المرحلة أو في مرحلة أُخرى. لكن في الوقت عينه هناك هدف استراتيجي تُصر طهران على تحقيقه - عودة الأميركيين إلى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات التي فُرضت على إيران، وضمان اتفاق لا يفرض قيوداً صارمة جداً على برنامجها النووي. لهذا كله الأولوية لتصفية الحسابات. في هذه الأثناء الانسحاب الأميركي من الاتفاق في سنة 2018 (الذي جاء بضغط إسرائيلي على إدارة ترامب) قرَّب إلى حد ما إيران من النووي. إذا كان المدى الزمني المقدّر للاختراقة الإيرانية لجمع ما يكفي من مواد انشطارية لصنع قنبلة قبل توقيع الاتفاق في سنة 2015 هو سنة، فإن كميات اليورانيوم المخصب المتراكمة الآن جرّاء خرق الاتفاق تُقصّر هذا المدى إلى أشهر معدودة.
بحسب كل المؤشرات، الولايات المتحدة مصرة على الاستمرار في القناة الدبلوماسية بهدف توقيع اتفاق جديد. هذا هو الهدف الذي وضعه جو بايدن لدى تسلّمه منصبه في كانون الثاني هذه السنة. صحيفة "واشنطن بوست" وصفت في نهاية الأسبوع علاقة بايدن بنتنياهو بأنها "أقل حرارة" من العلاقات بالإدارة السابقة، وأشارت إلى أن الهجوم على نتانز حوّل الخلاف المحتدم بين الطرفين إلى مشكلة حادة. وتدّعي الصحيفة أن الخطوة الإسرائيلية اعتُبرت عملية تخريب هدفها المس بالمحادثات بين إيران والدول العظمى. كل ذلك يحوّل العلاقات بإسرائيل إلى مسألة شخصية بالنسبة إلى بايدن لأن هيبته على المحك، ولأنه وعد بالعودة إلى الاتفاق النووي في حملته الانتخابية. هاجم نتنياهو مجدداً الاتفاق الآخذ في التبلور في خطابه عشية ذكرى المحرقة، وأعلن أن إسرائيل ليست ملزَمة به، ولم يذكر ما إذا كانت إسرائيل ستواصل العمل على عرقلة توقيعه أو تنفيذه.
في هذه الأثناء تبرز تصدعات في الائتلاف المعادي لإيران. ففي السنوات الأخيرة كثُر الحديث عن التقارب بين إسرائيل والسعودية والإمارات بتشجيع من إدارة ترامب، لكن يبدو أن السعوديين بدؤوا يشعرون بالتغيير الإقليمي الآخذ في الظهور ويعملون بما يتلاءم معه. تحدث أمس تقرير للصحيفة البريطانية "الفايننشيل تايمز" بأنه للمرة الأولى منذ 5 سنوات تجري محادثات مباشرة بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين رفيعي المستوى، بوساطة عراقية، على خلفية تبدّل الإدارة في واشنطن واستئناف المحادثات.
في هذه الأثناء سُجلت حادثة مهمة. إذ اجتمع في القدس المجلس الوزاري الأمني لمناقشة التطورات في المسألة الإيرانية للمرة الأولى منذ أشهر. جرى هذا بعد ضغوطات كبيرة قام بها وزير الدفاع، بني غانتس، والمستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت. ربما هما يشككان، مثل العديد غيرهم، في أن إسرائيل انجرت إلى تغيير دراماتيكي في سياستها إزاء إيران من دون أن يجري توضيح هذه الأمور بصورة كافية. لكن جدية هذا المنتدى في زمن ولاية حكومة انتقالية تقريباً دائمة، يمكن أن تدل عليها الحقيقة التالية: أمس جرت الموافقة على تعيين الوزيرين يوآف غالانت وميري ريغيف في الطاقم الوزاري المصغر من طرف الليكود بالتناوب - مرة كعضو ومرة أُخرى كمراقب. حل منطقي في النهاية: اللواء في الاحتياط غالانت، المقرّب من رؤساء الأركان والمطّلع على كل أسرار إسرائيل الخفية، توازي أهميته أن يكون المسؤول الأول عن الموضوع. لكن هذا الأمر يدل ربما على أن نتنياهو يتعامل مع رأي الرجلين كما مع آراء وزراء الليكود الآخرين بالقدر عينه من الأهمية (تقريباً صفر).
وقال الرئيس السابق للجنة الطاقة النووية، جدعون فرانك، أول من أمس، في مقابلة أجرتها معه محطة كان إنه لا يرى في إسرائيل حالياً تفكيراً استراتيجياً في المسألة الإيرانية، بل فقط يرى تفكيراً تكتيكياً. وهو يعتقد أن على إسرائيل أن تركز على محاولاتها التأثير في موقف الولايات المتحدة من المحادثات، لا على فرض حقائق على الأرض. وسألته المذيعة هل يشعر بالقلق، فأجاب فرانك: "أنا قلق جداً"، ويبدو أن جوابه يمثل موقف عدد كبير من المسؤولين السابقين رفيعي المستوى، الذين يتابعون أحداث الأسابيع الأخيرة بقدر من المفاجأة يصل إلى حدود الهلع.

عن "هآرتس"  
*محلل عسكري.