كل شيء منوط بما سيحدث في القدس لاحقاً

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل       

                                        
عادت مستوطنات غلاف غزة الى الحياة الروتينية، وألغى الجيش الإسرائيلي التوجيهات السابقة، وأبلغ السكان بأنه يمكن الخروج من المنازل بدون قيود. يبرهن هذا القرار على رغبة الجيش في كبح جولة القتال الجديدة التي بدأت في القطاع في الليلة قبل الماضية بأسرع وقت. ورغم أن المستوطنات التي تلقت الهجوم الاكثر شدة منذ سنة وشهرين، 36 صاروخا وقذيفة مدفعية، التي في الواقع لم تتسبب باصابات، لكنها تركت خلفها ذعرا كبيرا. ستة صواريخ تم اعتراضها من قبل «القبة الحديدية». بعضها سقط في الطرف الفلسطيني من الجدار، وردت إسرائيل بهجمات جوية وبنار المدافع على اهداف تابعة لـ «حماس».
خلف اطلاق النار الاستثنائي نسبياً على منطقة الغلاف تقف «حماس»، سواء فعليا أو عن طريق التجاهل. في جهاز الامن لم يعرفوا حتى الآن بشكل مؤكد من أطلق الصواريخ، لكن في هذه الحالة لا تحاول «حماس» الاختباء. أصدر المتحدثون من قبل «حماس» بيانات هجومية ربطت بين اطلاق النار والاحداث الاخيرة في القدس. إطلاق النار هذا تقريبا لا يتم تنفيذه في القطاع دون أن تعطي «حماس» على الاقل مصادقتها بالصمت. الوتيرة المتناسقة للصواريخ في الليل والتقسيم لمناطق مختلفة مع الحرص على التركيز على مناطق قرب الجدار، تدل كما يبدو على وجود يد موجهة ومنظمة.
استمرار الاحداث يرتبط بالأساس بما سيحدث في القدس. للمرة الأولى منذ شهور يحدث في الجانب الفلسطيني حدث عنيف يجر خلفه ضجة ثانوية مهمة. توجد لهذا علاقة بالمكان (القدس، حيث إن بعض المواجهات قريبة من منطقة الحرم)، التوقيت (شهر رمضان) وأحداث أخرى في إسرائيل وفي «المناطق» (الازمة السياسية هنا، الانتخابات التي ربما ستجرى أو ستؤجل هناك). الفلسطينيون نجحوا في أن يبددوا بذلك الأمل في إسرائيل، وكأنه يمكن الحفاظ طوال الوقت على ما يحدث في «المناطق» كساحة ثانوية لا تؤثر على جدول الاعمال هنا.
بدأت موجة العنف الحالية في بداية شهر رمضان في القدس حول أمرين رئيسيين: «هجمات تيك توك»، العنف الموثق لشباب فلسطينيين ضد يهود، معظمهم من الاصوليين، في المدينة. وتصميم الشرطة على اخلاء المسلمين عن الدرج في باب العامود في البلدة القديمة. في الاسبوع الماضي انزلق الى ردود انتقامية من اليهود، كانت ذروتها الملاحقة العنيفة من قبل اعضاء جمعية لاهافا اليمينية لفلسطينيين في مركز المدينة وفي شرقي القدس في ليل الخميس. في وقت الاضطرابات برز المعيار المزدوج الذي مارسته الشرطة في التعامل مع مخالفي القانون العرب واليهود، حيث حظي اليهود بمعاملة متسامحة اكثر. قائد لواء القدس الجديد يواصل بشكل مباشر سلوك سلفه في الوظيفة. في حين أن مقاربة المستوى المسؤول تم توضيحها جيدا عندما حرص وزير الامن الداخلي، امير اوحانا، على أن يدين، أول من أمس، فقط العنف الفلسطيني وتجاهل عنف اليهود.
في الخلفية توجد ايضا التطورات السياسية. وقد كان هذا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي عمل على شرعنة كهانيين في جولة الانتخابات الاخيرة، وعمل بشكل حثيث على ضمهم الى قائمة الصهيونية الدينية، والاهتمام بفوزهم الكبير. مع وجود ممثل لهم في الكنيست فليس من الغريب أن بنتسي غوفشتاين وزعرانه يشعرون بأن الدولة معهم وهم يقومون بأعمال الشغب في القدس. غوفشتاين وشركاؤه فرضوا الرعب على الفلسطينيين أيضا في السابق. ولكن خطوات نتنياهو أعطتهم الشرعية للمرة الاولى للعب في الساحة السياسية، بالضبط مثلما بثّ عناق الرئيس دونالد ترامب الدافعية لدى الجمهور الذي اقتحم تلة الكابيتول في واشنطن في كانون الثاني الماضي.
تسخين الاجواء بين اليهود والعرب جاء على الفور بعد اتضاح فشل جهود نتنياهو في تشكيل ائتلاف يستند الى اتباع كهانا من جهة واعضاء «راعم»، الحركة الاسلامية من جهة اخرى. الآن العنف في القدس وفي غزة، اذا استمر، سيصعب على الكتلة المعارضة لنتنياهو تشكيل حكومة مع اعضاء الكنيست العرب الآخرين، اعضاء «القائمة المشتركة».
في الجانب الآخر، بعد شهر على انتخابات الكنيست، فان العنف في القدس يوفر لـ «حماس» الفرصة لاستعراض عضلاتها في غزة، وأن تتخذ مرة اخرى خطا عنيفا ضد إسرائيل.
في الوقت نفسه إذا استمر الاحتكاك فان «حماس» يمكن أن تحقق طموحاتها القديمة، العودة الى اشعال المواجهات العنيفة في الضفة، في المناطق التي توجد تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. ورغبة «حماس» في إشعال النار ستزداد إذا تحققت مخاوفها في أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، سيتراجع ويلغي الانتخابات، بعد أن فهم بشكل متأخر بأن «حماس» يمكن أن تفوز فيها.
لكل هذه الاسباب ثمة احتمالية عالية نسبيا لمواصلة التوتر في القدس، في الضفة، وفي قطاع غزة، ايضا في الاسابيع المتبقية من شهر رمضان. والذين يحافظون الآن على هدوء نسبي هم العرب في إسرائيل، لكن اذا وقعت حادثة على خلفية دينية في الحرم، فان من شأن ذلك أن يخرجهم هم ايضا الى الشوارع. وقرر رئيس الاركان، افيف كوخافي، الغاء سفره الى واشنطن الذي خطط له في هذه الليلة بسبب التصعيد.

عن «هآرتس»