الانتخابات وسيناريو التأجيل .. ماذا بعد؟

حجم الخط

حسام الدجني يكتب

سؤال الشارع الآن: هل سيتم تأجيل الانتخابات…؟ ولم يقتصر السؤال على الشارع، بل طرحت أوساط دبلوماسية غربية زارت غزة أخيراً سؤالاً بالمعنى نفسه، ولكن بطريقة مختلفة حيث سألت بعض النخب التي التقت بهم: ما هي توقعاتكم لليوم التالي الذي تؤجل به الانتخابات…؟

هذه الأسئلة تعبر عن حالة الجدل وسط النخبة السياسية التي وصلت إليها معلومات تفيد بأن الرئيس محمود عباس خلال اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح اتخذ قرار التأجيل، وأعلن حسب المصادر الخاصة يوم 26/4/2021م موعداً لإعلان القرار، على أن تسبقه تهيئة الرأي العام وإطلاع الأمناء العامين للفصائل على حيثيات الموقف الأممي من إجراء الانتخابات في القدس.

السؤال المطروح الآن ويجيب المقال عنه هو: ما مبررات التأجيل…؟ وما الآثار المترتبة على تأجيل الانتخابات…؟ وما المطلوب وطنياً لمواجهة قرار التأجيل…؟

أولاً: مبررات تأجيل الانتخابات الفلسطينية.

من يمتلك قرار إصدار المراسيم هو الرئيس محمود عباس، وعليه فإن قرار التأجيل هو بيد السيد الرئيس، ويبرر المقربون من الرئيس عباس أن سبب التأجيل يأتي رداً على رفض (إسرائيل) إجراء الانتخابات في القدس، في حين يرى آخرون أن سبب التأجيل هو عدم جهوزية حركة فتح للانتخابات، ووجود بعض الاستطلاعات التي تمنح حركة حماس تفوقاً عليها، وهو ما تخشاه أطراف داخل فتح، والاحتلال وأطراف إقليمية ودولية.

والمتتبع لملف الانتخابات يدرك أن مبررات الرئيس عباس لتأجيل الانتخابات بسبب رفض الاحتلال إجراءها في القدس ضعيفة، لعدة اعتبارات:

الأول: القدس محتلة وتتعرض للتهويد قبل المرسوم الرئاسي للانتخابات، وتعلم السلطة الفلسطينية أن رفض الاحتلال مؤكد، فلماذا أصدرت مرسومها قبل الحصول على رد صهيوني؟

الثاني: من يصدر مرسوما رئاسيا الأصل أن يكون وضع كل السيناريوهات والبدائل، والمعلومات تقول إن حوارات إسطنبول بين العاروري ورجوب توصلت لبدائل مهمة في حال فشل الخيار الدبلوماسي ومنها:

* وضع الصناديق في أزقة القدس ومساجدها وكنائسها، وتسليط الكاميرات على العملية الانتخابية وفي حال ارتكبت (إسرائيل) أي حماقة فهذا سيكون له ما بعده محليا ودولياً.

* التصويت الإلكتروني للمنطقة التي ترفض (إسرائيل) إجراء الانتخابات بداخلها حسب الاتفاقيات الموقعة.

ثانياً: الآثار المترتبة على تأجيل الانتخابات:

في حال اتخذ قرار التأجيل، فإن آثارا عديدة تترتب على هذا القرار، أهمها:

1. ستزيد من أزمة الثقة بين الفرقاء، وتزيد من حالة الانقسام، وقد يصبح الانفصال أمراً واقعاً.

2. ستزداد الأصوات التي تنادي بعزل الرئيس محمود عباس، وهذا من شأنه زيادة حالة القطيعة بين القوى الوطنية والإسلامية.

3. انتكاسة لدى الشعب الفلسطيني الذي ينتظر الانتخابات بفارغ الصبر حتى يعبر عن إرادته المسلوبة بسبب الانقسام منذ عام 2006م.

4. يتحمل المجتمع الدولي عموماً والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص جزءاً من المسئولية أمام الشعب والتاريخ كونه لم يضغط على الرئيس عباس للمضي قدماً في تذليل العقبات وسحب المبررات أمام إجراء الانتخابات.

5. قد يكون لقرار التأجيل أثر على الحالة الأمنية داخل الأراضي الفلسطينية، لكون شعبنا لا يمكن أن يقبل أبد الدهر بقاء الواقع على ما هو عليه، وبذلك سنكون أمام سيناريو إما تغيير جوهري لواقع الحياة في الأراضي الفلسطينية وإما انفجار شعبي رافض لقرار التأجيل.

ثالثاً: المطلوب وطنياً لمواجهة قرار التأجيل:

المطلوب وطنياً لمواجهة قرار التأجيل هو البدء بعقد لقاء وطني يضم كل الكتل المرشحة للانتخابات التشريعية، وخلال هذا اللقاء يبدأ العمل عبر مسارين:

الأول: سحب مبررات عدم إجراء الانتخابات، وهذا يتم من خلال:

1. التوافق الوطني بعد الانتخابات على حكومة وحدة وطنية دون إقصاء أحد، وهذا يشكل رسالة طمأنينة للرئيس عباس بغض النظر عن النتيجة، ودراسة فكرة الرئيس التوافقي.

2. توظيف قوة المقاومة في فرض الانتخابات بالقدس، عبر التهديد بانتفاضة في كل الأراضي الفلسطينية.

3. حملة مناصرة وضغط دبلوماسي على المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال لإجراء الانتخابات، مع العمل على البدائل الأخرى وهي أفضل وطنياً في ظل انقلاب (إسرائيل) على كل الاتفاقيات الموقعة مثل وضع الصناديق في أزقة القدس، أو التصويت الإلكتروني.

الثاني: دراسة خيارات الكتل الانتخابية في حال اتخذ قرار التأجيل أو الإلغاء.

اليوم التالي للتأجيل يتطلب وجود رؤية كاملة متكاملة لدى كل الكتل التي ترفض التأجيل، ومعها الفصائل الفلسطينية غير المشاركة في الانتخابات، وقد وجهت هذا السؤال لبعض النخب السياسية وكانت الرؤى كالآتي:

المدرسة الأولى تقول: لا بد من دراسة الواقع السياسي والشرعيات السياسية ككل، ورفض العودة لما قبل المرسوم الرئاسي، والتفكير بكل الخيارات الممكنة للحفاظ على خيار العودة للشعب بعد غياب استمر 16 عاماً، حتى لو وصل الأمر للإعلان الجماعي أن الرئيس عباس لم يعد له أي صفة قانونية ولا يتمتع بأي شرعية سياسية، وإرسال هذه الرسائل للمجتمع الدولي، وتشكيل حكومة مؤقتة تنطلق من قطاع غزة.

المدرسة الثانية تقول بضرورة تشكيل مجلس تأسيسي والتفاكر الوطني للتعاطي مع المشهد السياسي ككل عبر دراسة جدوى بقاء السلطة الفلسطينية.

المدرسة الثالثة تقول القبول بقرار التأجيل والعمل الجماعي للضغط على المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات بالقدس حسب الاتفاقيات الموقعة.

الخلاصة: أنصح الرئيس عباس بالمضي قدماً في الانتخابات، والبحث عن البدائل لتجاوز معضلة الاحتلال، كما أنصح الفصائل وخصوصاً حماس بالتوافق السريع على خيار الرئيس التوافقي حتى نستطيع تجاوز كل المعضلات والوصول إلى إصلاح منظمة التحرير، والإقلاع في المشروع الوطني الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال.