إســرائـيـــل بحاجــة مــاسّـــة إلـى إستراتيجية أمـن قومـي

حجم الخط

بقلم: اللواء احتياط عاموس جلعاد وطاقم المعهد

 


يبدو، مؤخراً، أن ثمة تفاقماً في سلسلة التحديات الاستراتيجية التي تقف على أعتاب إسرائيل. وذلك في الوقت الذي تغرق فيه قيادة الدولة في أزمة سياسية، وتتلكأ في بلورة سياسة تجاه الواقع المتشكل، وقراراتها ليست نتيجة استراتيجيا او تأتي في سياقات اتخاذ قرارات مرتبة – تتضمن تحليلا للبدائل والتداعيات – ما تفترضه المسائل التي تؤثر على الأمن القومي.
برز في هذا السياق انفجار العنف في القدس وفي غزة، والذي جسد الصلات الحساسة ومستوى التفجر العالي في الساحة الفلسطينية، ولا سيما قبيل الانتخابات الفلسطينية القريبة. يفهم ابو مازن بأنه ارتكب خطأ، وان بانتظاره هزيمة سيتكبدها أمام "حماس"، ويبحث عن "سلم للنزول عن الشجرة". وسيكون تأجيل الانتخابات متعلقا برفض إسرائيل اجراءها في القدس، ما من شأنه أن يؤدي الى اشتعال متجدد، سواء في القدس أم في غزة، وهذه المرة في ظل مشاركة نشطة من الذراع العسكرية لـ"حماس".
في كل حال فإن أضرار خطوة الانتخابات في الساحة الفلسطينية تحققت منذ الآن، على خلفية الاضطراب، والانقسام في صفوف "فتح"، التي انقسمت الى اربعة معسكرات، بينما تعمل "حماس" كمنظومة موحدة ومنظمة. وقد جسد الحدث كله وهن القيادة الفلسطينية في "يهودا" و"السامرة"، ومن المتوقع أن يشتد ميل ضعف السلطة الفلسطينية كمنظومة سلطوية بالتوازي مع رحيل ابو مازن مستقبلاً ونشوب صراع خلافة داخل "فتح".
وبالتوازي، يطول ظل التحدي الايراني. ففي الوقت الذي يلوح في فيينا تقدم في المفاوضات من أجل العودة الى الاتفاق النووي الاشكالي، تتخذ إسرائيل في واشنطن صورة من تقف ضد سياسة ادارة بايدن وتسعى لافشالها وذلك على خلفية النبرة التهديدية التي اتخذها رئيس الوزراء عشية زيارة وزير الدفاع الأميركي الى البلاد حين أعلن ان الاتفاق النووي لا يلزم إسرائيل، والاشارات بان إسرائيل تعد خيارا عسكريا، وبالتأكيد اذا كانت الاتهامات من طهران، والتسريبات في الصحف الاجنبية والإسرائيلية صحيحة، وإسرائيل بالفعل تقف خلف الانفجار في نتانز، والضربة ضد سفينة الحرس الثوري في البحر الاحمر كذلك.
من شأن إسرائيل أن تدفع ثمناً باهظاً اذا ما قررت الادارة بان خطواتها تستهدف التخريب على العودة الى الاتفاق النووي والذي هو هدف استراتيجي أميركي. تسعى الولايات المتحدة الى العودة الى الاتفاق النووي كي "تعيد ايران الى الصندوق" والتفرغ الى مسائل خارجية ذات اولوية اعلى بكثير، وعلى رأسها المنافسة العظمى تجاه الصين وروسيا. الصراع على الصدارة تجاه الصين يعد في واشنطن صراعاً داخلياً على النظام العالمي وعلى تفوق النظام الديمقراطي وخطوات إسرائيلية ضد العودة الى الاتفاق النووي من شأنها أن تعتبر كعرقلة للولايات المتحدة في مسألة أمن قومي من الدرجة الاولى.
والى ذلك، يتضح ان المواجهة بين القوى العظمى "تسخن" فقط كل الوقت، وتحتل حجماً أكبر فأكبر على جدول الاعمال العالمي. فالتوتر مع روسيا يتعاظم حول اوكرانيا والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد موسكو ردا على "اعمال معادية" (هجمات سايبر، التدخل في الانتخابات) بما في ذلك طرد دبلوماسيين روس. بالتوازي أعلن الرئيس بايدن ورئيس وزراء اليابان – الزعيم الاول الذي يزور واشنطن كضيف على الادارة الجديدة – وقفة وردع مشترك تجاه سياسة الصين المهددة في بحر الصين الشرقي وفي مضائق تايوان، والقمع الذي تمارسه في هونغ كونغ.
بغياب استراتيجية وبدون كيمياء بين زعيمي إسرائيل والولايات المتحدة، فان سياسة كدية تجاه واشنطن ستبث اثرها على عموم العلاقات بين الدولتين، فتترك إسرائيل منعزلة، وتحول بالتدريج المشكلة الايرانية الى "مشكلة إسرائيلية"، وتضعف صورة إسرائيل وقوتها حتى في نظر العالم العربي. ورغم العلاقات الامنية المتوثقة، فان العلاقات مع مصر تبرد ومع الاردن مفعمة بالاحتكاكات، ومسيرة التطبيع تبدو تراوح في المكان، والسعودية تنضم الى الامارات في سياسة تضييق المخاطر تجاه ايران على خلفية التقدم في المحادثات في فيينا/ ويحتمل أنه في نشأة الوعي الخليجي صورة تعاون بين إسرائيل ومنظمة "الاخوان المسلمين"، على خلفية التطورات السياسية في إسرائيل.
في هذه الظروف، وبلا تأييد أميركي من شأن إسرائيل أن تجد صعوبة في توسيع دائرة التطبيع، لتعميق العلاقات الاستراتيجية مع الدول العربية وربطها بمواجهة التحديات في الساحة الفلسطينية، في المنطقة، وتجاه ايران.
ترميم الثقة وتحريك التنسيق الاستراتيجي مع الادارة الأميركية تجاه التحدي الايراني هما الاولوية العليا. بالتوازي مع استمرار "المعركة بين الحروب" لصد ايران في المنطقة على إسرائيل أن تنتقل من الدبلوماسية الصاخبة والصدامية مع الادارة، التي تؤثر سلبا على منظومة العلاقات مع الولايات المتحدة، الى حوار هادئ وحميم، على اساس الالتزام الأميركي المتين بأمن إسرائيل، وتوافق الدولتين على أن من الحيوي منع السلاح النووي عن ايران، وفي ظل الاستناد الى قنوات التعاون الاستخباري، الامني، والعملياتي الناجعة بين الدولتين.
على خلفية المنافسة المحتدمة بين القوى العظمى، بين أميركا والصين وروسيا فان إسرائيل مطالبة بان تتصرف بشكل حذر تجاه خصوم الولايات المتحدة من جهة، وان تحرص على الشفافية الكاملة مع واشنطن من جهة اخرى، ولا سيما في مجال الرقابة على الاستثمارات الصينية في التكنولوجيات الحساسة، بشكل يسمح للادارة الأميركية بان تقرر بيقين بان علاقات إسرائيل مع روسيا والصين لا تعرض المصالح الأميركية للخطر.
على المستوى الاقليمي فان إسرائيل مطالبة بان تصلح الاجواء في العلاقات مع الاردن وان تعمل على تحسين العلاقات مع مصر على مستوى القيادات. فالمساعدة الطبية الواسعة للمملكة في صالح مكافحة "كورونا"، والتي تقررت مؤخرا، هي خطوة في الاتجاه الصحيح. تنسيق وثيق مع عمان والقاهرة حيوي ايضا للتصدي للمخاطر في الساحة الفلسطينية، ولا سيما اذا ما اجريت الانتخابات، ولكن ايضا اذا ما تأجلت، وهي التطورات التي من شأنها كما اسلفنا ان تؤدي الى ضعضعة التوازنات الحساسة والاستقرار في الساحة الفلسطينية.
في كل الاحوال تحسن إسرائيل عملا اذا ما اعادت بالتوازي مع عودة الامن والتوازن في القدس ولجم "حماس" في غزة، وافق حل الدولتين الى جدول الاعمال، بتنسيق وثيق مع ادارة بايدن؛ وتعمل على ربط مسيرة التطبيع مع دول الخليج كي تضخ الامكانيات الى السلطة الفلسطينية، بدل دحرها جانبا. هذه الخطوات، بالتوازي مع استئناف العلاقات بين واشنطن والسلطة قد توقف ميل ضعفها كمنظومة سلطوية ومسيرة تقربها من "حماس".
في السطر الأخير، فان الازمة السياسية غير المسبوقة تؤثر سلبا على قدرة دولة إسرائيل على بلورة استراتيجية وتقديم اجوبة ناجعة على سلسلة التهديدات والتحديات التي توجد في ميل احتدام. ازمة بحجم كهذا تستوجب ردا قياديا عاجلا يؤدي الى بلورة سياسة بعيدة المدى، تضع اهدافا استراتيجية، وتعمل بشكل متداخل سعيا لتحقيقها.

عن وقع "معهد السياسة والاستراتيجيا"