الواقع المتفجر في القدس: سيناريوهات وتوصيات

حجم الخط

بقلم: ميخائيل ميلشتاين*


منذ قرابة أسبوع، برز تصعيد غير مسبوق من حيث حجمه وقوته في المنظومة الفلسطينية. مصدر موجة التصعيد كان القدس، التي شهدت توترات شديدة ناجمة عن تضافر عدد من العوامل: سلسلة حوادث عنيفة قام بها سكان عرب ضد يهود حظيت بتسمية «انتفاضة التيك توك»، و»حوادث شغب» تطورت بسبب مزاعم فلسطينية تقول: إن إسرائيل تفرض قيوداً على مشاركة المسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، والاحتجاج المستمر في حي سلوان وحي الشيخ جرّاح على خلفية مزاعم فلسطينية ضد جهود مصادرة متعمدة لأراضيهم، واحتكاكات عنيفة وواسعة النطاق بين اليهود والعرب تطورت في الأيام الأخيرة في منطقة المدينة القديمة.
الأزمة في القدس، والتي حظيت بتسمية «انتفاضة رمضان»، امتدت إلى مجمل المنظومة الفلسطينية، وحتى أنها تخطتها: فقد جرّت إلى إطلاق صواريخ من قطاع غزة على إسرائيل، تقف وراءه «حماس» وسائر الفصائل، و»أعمال شغب» واسعة النطاق نسبياً في عدد من المراكز في الضفة الغربية (على الرغم من أن حجم ما يجري لا يمكن أن نطلق عليه اسم «انتفاضة ثالثة»)، وتوتر في المجتمع العربي في إسرائيل، الذي يشهد أجواء مشحونة منذ البداية، على خلفية احتكاكات بين اليهود والعرب في عدد من المدن المختلطة (في الأساس يافا والرملة واللد)، والجريمة والعنف المترافقان مع انتقادات لاذعة للحكومة، والتنديدات من طرف جهات عربية على رأسها الأردن ومصر، اللذان يلومان إسرائيل على التوتر في القدس.
تغذى التصعيد من الجو الفلسطيني الداخلي المشحون، على خلفية الافتراض السائد أن أبو مازن يستعد لتأجيل الانتخابات البرلمانية (المخطط أن تجري في 22 أيار)، والتي تبدو فيها حركة «فتح» حتى الآن منقسمة وضعيفة في مواجهة «حماس». ومن خلال استخدام ذريعة أن إسرائيل لا تسمح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية. من جهة أُخرى تصر «حماس» على إجراء الانتخابات في ضوء تقديرها أنها ستحقق فيها إنجازات. وتدّعي «حماس» أن تأجيل الانتخابات بذريعة القدس سيفسَّر كخضوع فلسطيني لإسرائيل في إطار «المعركة للسيطرة على المدينة»، وهي تلمّح إلى أن التأجيل يمكن أن يثير غضب الجمهور الفلسطيني على أبو مازن.
التوتر الحالي يؤكد حقيقة أن موضوع القدس - خصوصاً الجانب الديني - هو من المواضيع القليلة التي تستطيع اليوم دفع الجمهور الفلسطيني إلى نضال شعبي، وتسليط الضوء على ما يجري في الساحات الجغرافية في المنظومة الفلسطينية. توترات مثل التي تطورت، الأسبوع الماضي، لم تنشب في العقد الماضي جرّاء أزمات أُخرى بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي ترافقت أحياناً مع تقديرات تتعلق بتغيير إستراتيجي متوقع في المنظومة الفلسطينية يتمحور حول تطور «انتفاضة ثالثة» في الضفة الغربية.
بنظرة إلى المستقبل يمكن أن يزداد التوتر في المنظومة الفلسطينية في المدى القريب، على الرغم من رفع الحواجز في منطقة باب العمود، الخطوة التي اعتبرها الفلسطينيون إنجازاً، لكنهم يوضحون أنها لا تعني نهاية الصراعات على القدس. استمرار الأزمة من المتوقع أن ينجم عن سببين مركزيين: الأول - أجواء رمضان التي من المتوقع أن تنتهي في منتصف أيار (قبل الاحتفال بليلة القدر التي تمتاز بجو ديني مشحون)، والسبب الثاني - الأزمة السياسية التي يمكن أن تتطور في المنظومة الفلسطينية بعد إعلان تأجيل الانتخابات، خطوة يمكن أن تدفع أبو مازن إلى تأجيج احتجاج شعبي ضد إسرائيل، خصوصاً في القدس، من أجل تحويل الانتقادات الداخلية عنه، ومن جهة ثانية ستشجع «حماس» على خلق احتكاكات شعبية موجهة.
على هذه الخلفية يمكن أن تعود التنظيمات المسلحة في قطاع غزة إلى العمل بعنف ضد إسرائيل، خصوصاً من خلال إطلاق الصواريخ والتشجيع على احتجاج شعبي في منطقة السياج الحدودي، الأمر الذي يزيد من معقولية التصعيد الأمني في هذا القطاع. بالإضافة إلى ذلك، يزداد احتمال تطور احتجاج شعبي حاد أيضاً في المجتمع العربي في إسرائيل، ومن المتوقع تفاقم ردود العالم العربي بصورة تجعل من الصعب الدفع قدماً بخطوات تطبيع إضافية، ويؤذي تلك التي حدثت.
الواقع المتفجر يفرض على إسرائيل اتخاذ عدد من الخطوات الواعية والسريعة في الأسابيع المقبلة، خصوصاً خلال شهر رمضان، بشأن الموعد المحتمَل لتأجيل الانتخابات في السلطة الفلسطينية. في هذا الإطار نوصي بالدفع قدماً بعدد من الخطوات:
- تركيز الجهود لمنع احتكاكات عنيفة بين اليهود والعرب في القدس، وهو اتجاه يغذي جزءاً كبيراً من أجواء التوتر في المنظومة الفلسطينية في الوقت الراهن.
- المحافظة على نسيج الحياة المدنية في الضفة الغربية عموماً، وفي القدس خصوصاً، خلال شهر رمضان، الأمر الذي أثبت أنه أداة ناجحة لضمان الهدوء في المجال الفلسطيني العام.
- الامتناع عن القيام بخطوات يمكن أن تُفسَّر كمحاولة لتغيير الوضع القائم في القدس عموماً، وفي الحرم القدسي خصوصاً.
- إرسال رسائل إلى السلطة الفلسطينية بأن التصعيد الذي يوصف حالياً بأنه معركة وطنية جامعة ضد إسرائيل يمكن أن يتطور بسرعة إلى احتجاج داخلي تقوده «حماس»، التي تحاول من خلاله تأجيج موجة التوترات الحالية كوسيلة لتعزيز مكانتها في المنظومة الفلسطينية.
- تجنيد أطراف عربية ودولية من أجل دفع السلطة الفلسطينية إلى العمل على التهدئة في الضفة الغربية، والامتناع عن تشجيع احتجاج عنيف في منطقة القدس.
- التعامل بحذر في مواجهة الاحتجاج العام في المجتمع العربي في إسرائيل، الذي يشهد أجواء متوترة أيضاً كما ذكرنا.
- كبح مساعي «حماس» لاستغلال موجة الاحتجاج الحالية لتعزيز وجودها في الحيز العام بالقدس خصوصاً، وفي الضفة الغربية عموماً.
في ضوء حاجة إسرائيل في الوقت الحالي إلى تركيز جهودها على تحديات إستراتيجية مهمة أُخرى، على رأسها المواجهة المتفاقمة مع إيران في مجالات متعددة (الموضوع النووي، والساحة الشمالية، والمجال البحري)، نوصي بالعمل بسرعة على التخفيف من التوترات في الساحة الفلسطينية، والتي يمكن أن تنزلق أيضاً إلى الساحة الإسرائيلية الداخلية، وتكبدنا ثمناً باهظاً على صعيد منظومة علاقاتنا بالساحتين العربية والدولية.

عن موقع «معهد هرتسيليا»

* باحث في معهد هرتسيليا للسياسات والإستراتيجيا.