في بلادنا، يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الإنتاجية التي نستطيع الحفاظ عليها ودعمها والتخطيط لها، وبالأخص في هذه الفترة مع تركيز الحكومة الحالية أكثر على الاعتماد على الذات، ومع التوجه أكثر نحو الانفكاك تباعا عن الجانب الإسرائيلي في مختلف المجالات، ومع أهمية الاستثمار في قطاعات إنتاجية مستدامة، تدر الدخل وتشغل اليد العاملة وتحقق الأمن الغذائي وتزيد التصدير الى الخارج، وفي خضم ذلك من المفترض أن يحتل القطاع الزراعي الفلسطيني الأولوية في مشاريع وخطط الحكومة، سواء أكانت قصيرة أو بعيدة المدى.
حيث من المعروف ان القطاع الزراعي في بلادنا، كان له دور مهم، وساهم بنسبة مهمة في الناتج المحلي الإجمالي، ولكن حسب تقارير حديثة، فإن مساهمة القطاع الزراعي الفلسطيني في الناتج المحلي الإجمالي قد تقلصت الى اكثر من النصف، أي من حوالي 9% في العام 1999 الى فقط 4% او اقل من ذلك خلال السنوات القليلة الماضية، ومن الأسباب لذلك هو القيود المفروضة على الوصول الى الأرض والمياه، خاصة في المنطقة المصنفة «ج»، ولكنْ هناك أسباب أخرى، يمكننا التحكم بها، ومن خلالها يمكن إيلاء الاهتمام المطلوب لهذا القطاع الإنتاجي المهم، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك في تحقيق الأمن الغذائي من حيث توفير المنتج الوطني، وزيادة التصدير، والحد من الارتفاع المتواصل في الأسعار وتشغيل المزيد من الأيادي العاملة.
وتكمن قوة او استدامة النمو الاقتصادي لأي بلد، او ثبات وتواصل النمو في الناتج القومي الإجمالي السنوي، أو أداء الاقتصاد الكلي، بمدى تنوعه، أي بمدى تنوع القطاعات التي يعتمد عليها، من خدمات ومن سياحة وصناعة وزراعة ومن غيرهما، وهذا ربما يفسر سر نمو وتنامي قوة أداء اقتصاديات بعض الدول، وهذا يعني الاستثمار في قطاعات مختلفة، وبالأخص الإنتاجية، تنتج للاستهلاك المحلي وكذلك للتصدير، وتشغل الأيادي العاملة، وتحافظ على الأمن الغذائي، وتساهم في الناتج القومي الإجمالي، ومنها قطاع الزراعة، وهذا ينطبق على قطاع الزراعة في بلادنا، سواء أكان في المجال النباتي أي فواكه وخضارا، او في المجال الحيواني من لحوم ودواجن ومنتجات الألبان.
والإنتاج الزراعي يعني الحفاظ على الاستقرار، ومنه استقرار الأسعار، لأنه حين تتناقص او يقل عرض السلع، تبدأ أسعارها بالارتفاع، ومن ضمنها السلع الزراعية من خضار وفواكه ولحوم وألبان ودجاج وما له علاقة بالإنتاج الزراعي، النباتي والحيواني وهذا ما شهدناه عدة مرات في بلادنا، وحين حدوث تقلبات جوية او أحداث سياسية ترتفع أسعار سلع زراعية، وحتى ان بعض هذه السلع يختفي او يتم إخفاؤه، وحين ترتفع أسعار منتجات الزراعية، فإن أسعار العديد من المنتجات التي تتداخل بشكل او بآخر مع المنتجات الزراعية ترتفع كذلك، ومن يدفع ثمن هذا الارتفاع في المحصلة هو المستهلك.
وكما تقوم به الدول، لدعم القطاع الزراعي يتطلب خطوات منها التسهيلات الضريبية والمالية للعاملين في الزراعة، وكذلك بتوفير المواد التي تتطلبها الزراعة الحديثة من بلاستيك وأسمدة ومبيدات، والمزيد من الإرشاد الزراعي وبأنواعه والذي لا يكفي الموجود منه حاليا، الإرشاد فيما يتعلق باختيار المحصول والأرض، والإرشاد حول استعمال الكيماويات في الزراعة، والإرشاد فيما يتعلق بالقطف والتسويق، والدعم يشمل المزيد من التخطيط الزراعي والنظرة الوطنية لذلك من حيث استخدام المياه والأرض، ومن حيث الاستهلاك المحلي او التصدير، ومن حيث فتح الأسواق الخارجية.
والدعم للقطاع الزراعي يمكن ان يشمل التنسيق لحماية المزارع والمنتج الوطني، سواء من خلال العطاءات او إصدار المواصفات او الفحوصات المخبرية، والدعم يشمل التوجه نحو الأبحاث العلمية التطبيقية، التي تعمل على تلبية حاجات هذا القطاع وحل مشاكلة المحددة، والعمل على إيلاء التدريب الزراعي الأهمية بدءا من المدارس وحتى الكليات التخصصية، والعمل على تقديم الحوافز والضمانات للقطاع الخاص للتوجه وللاستثمار في الزراعة، وكذلك العمل على إزالة تلك النظرة الى القطاع الزراعي بأنه ليس أولوية وليس مربحا وليس بالخيار الأول للعمل او الاستثمار فيه.
ودعم القطاع الزراعي يعني الدعم لمنطقة الأغوار، السلة الغذائية لفلسطين، التي هي في معظمها يتم تصنيفها مناطق «ج»، حيث يمكن ان تدر للاقتصاد الفلسطيني، حوالي مليار دولار سنويا، إذا تم استغلالها بالكامل، أي إذا تمت إزالة العوائق الإسرائيلية، وهذا يدعونا الى التفكير والتخطيط الاستراتيجي، والى إيلاء قطاع الزراعة وبالتحديد الزراعة في الأراضي الخصبة التي تحوي المياه الجوفية في منطقة الأغوار الأهمية في أي خطط تنموية استراتيجية، لأن هذا النوع من التخطيط هو كفيل، بتوفير المزيد من الفرص للعمل، والحفاظ على الأسعار، وتوفير المنتج الوطني، من خلال دعم القطاع الزراعي الإنتاجي وبشكل مستدام.
ودعم القطاع الزراعي يعني دعم وتشجيع السلع أو المنتوجات التي يدرها، كمنتجات وطنية لها الأولوية، حيث ما زال المستهلك الفلسطيني، أو جزء مهم من المستهلكين يقبلون على المنتجات المستوردة ومنها المنتجات الإسرائيلية بأنواعها ومنها منتجات ذات أصول زراعية، ولا يعطون المنتجات الوطنية أولوية رغم كل الحملات والنداءات المتكررة من اجل دعم والإقبال على المنتجات الوطنية، وحتى رغم أن هناك منتجات وطنية مشابهة وتضاهيها من حيث الجودة والفائدة.
ومن أجل ان ينجح دعم ومن ثم الإقبال على وتشجيع المنتجات الوطنية الزراعية، فإن ذلك من المفترض أن يبتعد عن الجانب العاطفي الانفعالي الذي نعتاد عليه، وبأن تأخذ استراتيجية الأولوية لهذه المنتجات عدة أمور وجوانب، من أهمها الحاجة الى وجود مرجعية او إطار وطني شامل يقف ويتابع الاستراتيجية، ويدرس الظروف والبدائل، ويحدد المعيقات والمشاكل، ويعمل على وضع الأسس الموضوعية لضمان استمرار الإقبال على المنتج الوطني الزراعي، وهذا الإطار من المفترض ان يعمل على أرضية الفوائد او الإيجابيات التي يمكن ان تؤدي إليها حملات دعم وتشجيع المنتجات الزراعية، سواء على صعيد الفرد، أي المستهلك الفلسطيني، او التاجر او القطاع الخاص او القطاع العام وبالطبع المواطن والمزارع.
ويتطلب دعم المنتج الزراعي المحلي التوجه الى المستهلك او المواطن، والذي هو اللبنة الأساسية لنجاح هذا الدعم، كما هو كان وسوف يكون حجر الأساس لنجاح حملات دعم أخرى، في الماضي او في المستقبل، هذا المواطن، من المفترض ان يتم التواصل معه وبشكل فعال، سواء من اجل توعيته او إقناعه بأهمية وبفوائد هذه الحملات، وبأن يتم التبيان له أهمية ذلك من النواحي المختلفة، أو حتى إرشاده للبدائل المتوفرة، تلك البدائل التي هو في حاجة إليها، أي البدائل الزراعية التي يتم إنتاجها وتصنيعها محليا.
وبالإضافة الى السوق المحلية، ولكي تصل المنتجات الفلسطينية الزراعية الى الأسواق الخارجية وتنافس وتنجح، فيجب ان تلبي مواصفات وشروط تلك الأسواق. فتصدير منتجات زراعية فلسطينية إلى أسواق أوروبية او أميركية مثلا، يتطلب إجراء الفحوصات الضرورية لبقايا المبيدات والمواد الكيميائية في المحاصيل الزراعية او منتجات التصنيع الغذائي، وإتباع المواصفات فيما يتعلق بالتعبئة والتغليف والتخزين وما الى ذلك، وهذا يعني وجود المختبرات المؤهلة والمعتمدة لإجراء الفحوصات، ويعني كذلك وجود الكفاءات المدربة والمعدة للقيام بذلك.
وبالتالي، ومن اجل ان تنافس المنتجات الوطنية الزراعية وتواصل المنافسة، من المفترض ان تعمل كافة الأطراف ذات العلاقة، سواء أكانت جهات رسمية او مؤسسات شعبية، الى تشكيل إطار يحوي خبراء ومختصين وناشطين، يعمل على وضع أسس موضوعية، تكفل الاستمرار والاستدامة والتوسع في حملات دعم وتشجيع المنتجات الوطنية الزراعية وبأن تشمل هذه الأسس توفير البدائل، والتركيز على جودة المنتجات المحلية، ومراقبة الأسعار، وإعطاء الأفضلية للمنتج الوطني، وإجراء الفحوصات المخبرية، والتركيز على مواصفات وطنية تحمي المنتج الزراعي، وكذلك تفعيل التواصل مع المستهلك ومع التاجر ومع المورد او المستورد، فيما يتعلق بنوعية وأهمية وفوائد هذه المنتجات.
الاحتلال يعتقل مُسنا ويستولي على جراره الزراعي في سلفيت
02 أكتوبر 2023