أثار قرار الرئيس أبو مازن بتأجيل الانتخابات موجة واسعة من ردود الفعل المؤيدة من الفتحاويين والمعارضة من الآخرين، وأنا أعتبر نفسي شخصاً محايداً، ولكني أرى بقرار التأجيل خطوة غير صحيحة ولا مناسبة لأسباب عدة.
كان يجب قبل تحديد موعد الانتخابات التأكد من ان اسرائيل سوف تسمح بالانتخابات في القدس ترشحاً وتصويتاً وصناديق اقتراع، لا الإعلان عن الموعد ثم مطالبة اسرائيل بما نريد وبما هو مطلوب، ثم ان ربط الانتخابات بالقدس وبموافقة اسرائيل، يعني ان هذه الانتخابات سواء كانت تشريعية أم رئاسية أم غير ذلك، صارت شيئاً غير قابل للتنفيذ، لأن اسرائيل التي تعمل على تهويد المدينة المقدسة باعتبارها جزءا من «عاصمتهم الموحدة» لن تسمح للسلطة بأي تحرك وهي تمنع حتى الاجتماعات وتعتقل من تراه يعمل للمصلحة الوطنية، وربط أية انتخابات بالموافقة الاسرائيلية معناه الاستسلام للسياسة التوسعية التي يمارسها الاحتلال.
لقد انتفض الفلسطينيون ضد الاحتلال وقاوموا بكل امكاناتهم ليس مرة واحدة ولكن اكثر من مرة، وكان آخرها ما حدث عند باب العامود قبل ايام قليلة، ولكن وللحقيقة المرة، فإن الاحتلال لا يتوقف عن ممارساته، وتعاني القدس واهلها كثيراً من ذلك، وليس المطلوب مجرد مطالبة اسرائيل بالسماح بالانتخابات وانما التخلص النهائي من هذه الفوضى السياسية والركض وراء الاوهام.
وبالمناسبة فإن الاحتلال عمل بالأمس بقوة على التضييق على المسيحيين الذين يحتفلون بعيد الفصح المجيد وقد اغلقوا بعض ابواب القدس القديمة واعتدوا على المصلين أو الذين كانوا يحاولون الوصول الى كنيسة القيامة لأداء الصلاة، بدون أي مبرر أو سبب منطقي لأن هؤلاء الذين كانوا ينوون تأدية الصلاة مسالمون للغاية ولا يشكلون اي تهديد لأي شيء اسرائيلي ولكن العقلية الاحتلالية لا تفكر في ذلك ولا ترى الا ما تريده.
في كل الاحوال، فإن تأجيل الانتخابات ادخل القيادة الفلسطينية في النفق المجهول، ويظل التساؤل الى اين نسير وما الذي ننتظره؟ وأبسط الاجوبة على هذا التساؤل هو العمل على استعادة الوحدة الوطنية وتناسي المصالح الفئوية والحزبية والسعي نحو المصلحة الوطنية. وهذا الكلام موجه الى كل القوى سواء في الضفة أو غزة، وسواء أكان يساراً أو يميناً أو دينياً أو علمانياً، لأن الوطن فوق الجميع دائماً، وبدون ذلك لن نخرج من الفوضى السياسية التي نواجهها خاصة بعد انغلاق أبواب أية انتخابات كما نرى في هذه المرحلة!!
تتكرر الذكرى ... ولا يتغير شيء
قرأت أمس خبراً عن وفاة رائد الفضاء الاميركي مايكل كولينز عن عمر ناهز ٩٠ عاماً. هذا الانسان كان عضواً في طاقم «أبوللو١١» التي هبطت على سطح القمر في تموز 1969، وقد شاهد ملايين الناس رائد الفضاء نيل أرمسترونج وهو يسير على سطح القمر الى درجة ان البعض قال ان الفيلم خيالي، لأن كثيرين كانوا غير مصدقين لما يحدث، فقد كان الوصول الى القمر والحديث عن ذلك امراً يفوق الوصف.
هذا الخبر اعادني الى ذكريات لا أنساها وقصة بداية كتابتي الصحفية، فقد كنت آنذاك أي في عام ١٩٦٩ شاباً متحمساً وفي بداية عملي كمعلم في مدرسة المطران بالقدس، وكانت جريدة «القدس» آنذاك تتم طباعتها وتحريرها في مبنى يقع خلف المدرسة تقريباً، وكنت أميل الى كتابة الشعر وأرى في نفسي شاعراً كبيراً.
في أحد الأيام حملت مجموعة أشعاري وذهبت الى الجريدة في محاولة لنشر بعضها، التقيت هناك المحرر المرحوم محمد عبدالسلام والكاتب المتفوق والصريح والمحبوب المرحوم محمد أبو شلباية. قال لي عبد السلام ان الذي اكتبه ليس شعراً ولكنه مقالات سياسية، واقترح علي ان اكتب بالسياسة، وسعدت آنذاك بلقاء الصديق أبو شلباية الذي ابدى لي كل التأييد والمساندة.
وكتبت أو مقال لي بعنوان «رمضان .. أبوللو والقمر» حيث كان العالم مذهولاً بسير أول انسان على سطح القمر، وكنا في العالمين العربي والاسلامي نتطلع الى رؤية الهلال لبدء شهر رمضان، وقلت ما خلاصته ان العلم يجب ان يدخل عقولنا ولا نظل نركض وراء الخيال، واستشهدت بوصول أبوللو الى القمر.
في حينه قامت ضجة كبيرة للغاية وتوالت ردود الفعل طيلة شهر رمضان الى درجة ان آخر مقال لي كان بعنوان «كل عام وأنتم بخير». كان كثيرون منغلقين تفكيراً ويعيشون بالماضي وكان بعضهم ضدي شخصياً بإدعاء ان ليس من حقي التدخل في رمضان وغيره من القضايا الدينية.
انتهى الموضوع بانتصار وجهة نظري حيث اكد اجتماع لعلماء الدين بالعالم الاسلامي انعقد في اندونيسيا ان لم أكن مخطئاً، بصحة الرؤيا العلمية لمشاهدة الهلال، وان القول «لرؤيته» لا يعني الرؤيا بالعين المجردة.
وأنا أستعيد هذه الذكريات تؤلمني حقيقة ان العلم ليس هو المسيطر على تفكيرنا عموماً وتظل مرجعياتنا في الغالب قال فلان وروى علان.
وكل عام والجميع بخير ووطننا في حال أفضل