الى أين نحن ذاهبون

حجم الخط

بقلم : نبيل عمرو

 

هذا سؤال الأسئلة، يتردد على كل لسان ولا جواب عنه، ليس لأن الوضع في بلادنا اضحى كما لو أنه احجية، بل لسبب شديد الوضوح هو ان لا مركز يؤمن الحلول والمخارج ويقوى على تنفيذها فالكل صار طرفا في صراع مع الاخر.

هذا على صعيد حياتنا الداخلية اما على الصعيد الاوسع فقد تراجعت الى نقطة الصفر رغبات وقدرات المتدخلين لمساعدتنا، سواء في معالجة ما نفعله بأنفسنا او ما يفعله الخصم الرئيسي بنا.

يُتداول كثيرا تعبير اراه خاطئا حين يقال، اننا ذاهبون الى المجهول، لأن الاصح كما تظهره المقدمات هو اننا ذاهبون الى معلوم وقبل ان اصل الى النتائج اجتهد بعرض المقدمات.

أولها نهوض ظاهرة العنف بشقيه الشعبي الذي نسميه بالسلمي واكثر بؤره حساسية ولفتا للنظر ما جرى ويجري في القدس، والمسلح الذي جسدته عملية نابلس.

وثانيها تداعيات ما بعد الغاء الانتخابات وابرزها استيراد مادة خلاف إضافية فوق الخلافات المستشرية التي لن تجد حلا سواء داخل مكونات الطبقة السياسية ذاتها او داخل الفصيل الواحد او داخل المجتمع باجماله.

كان يمكن اعتبار الخلافات علامة صحية ونحن في الطريق الى الانتخابات ، اما وقد الغيت فقد ارتدت الأمور الى صراع حاد مما ابعد الفرص الحقيقية لبدء حل الازمات الداخلية ومنها ازمة الانقسام ثم العودة من جديد الى لوك خيارات جربت الف مرة وفشلت كل مرة .

وفي هذه المقدمات يظهر جليا التأثير الإسرائيلي المباشر فيها ورغم الأخطاء التي نرتكبها بحق انفسنا الا ان ما تفعله إسرائيل جهارا نهارا هو سكب الزيت على النار الكامنة والظاهرة، وهنا يتجلى الدور البارز للمستوطنين وظهيرهم الجيش وقوى الامن الأخرى، وهؤلاء جميعا لا يتصرفون على هواهم فهم الأداة التنفيذية للاجندات السياسية التي تضعها وتنفذها الحكومة.

قدر الفلسطينيين ان يدفعوا ثمنا مزدوجا لصراعهم الداخلي، وللصراع المحتدم داخل إسرائيل، ذلك ان متطلبات الثاني الذي عنوانه ازمة تشكيل حكومة تمتد لتعكس نفسها بسياسات وإجراءات بالغة الشراسة تجاه الفلسطينيين، فاليمين الذي يحكم ويهيمن يحشد الأصوات بالاستيطان والتنكيل والقمع والحصارات وسد الافاق السياسية واغلاق كل الأبواب حتى امام ابسط الاحتياجات الحياتية، اما القوى التي كانت تقدم نفسها كمعتدلة الى حد ما، فقد اسقطت من اجنداتها أي إشارة للوضع الفلسطيني، والغت مطالباتها التقليدية بإيجاد حلول معهم، وحين كانت الانتخابات الفلسطينية تعبيرا عن بلورة حقيقية لاتجاه ديموقراطي عقلاني حضاري ووحدوي، لم تتوان إسرائيل عن العمل على تعطيلها كأنها تقول للفلسطينيين ابقوا كما انتم وتراجعوا اكثر فهذا هو الأفضل لنا.

بحساب الربح والخسارة فإن إعادة تأهيل الذات وتجديد الشرعيات واشراك الناس في صنع مصيرهم كان الأكثر ربحا من أي اتجاه آخر والأكثر فاعلية في ترسيخ استقرار فلسطيني يفضي الى الحد المعقول من الوحدة الداخلية والاتفاق السياسي على الخيارات، غير ان تقويض هذه الفرصة الثمينة وما انتجه من تفاعلات داخلية وخارجية جعل من استنتاجات الجيش الإسرائيلي بأن مرحلة عنف لا بد وان تبدأ، ليس مجرد استنتاج نظري بل يوضع في الاعتبار كتطور فعلي محتمل.

ان ظاهرة العنف بكل اشكاله وخصوصا لدى الجانب الفلسطيني، لا ينتجها قرار وانما مناخ، وحتى الاعتراض الشعبي غير المسلح لا تنتجه أوامر تصدر عن غرف سرية مغلقة او بفعل تحريض يحب الاسرائيليون تسويقه كمحرك وحيد لكل المبادرات الشعبية الفلسطينية.

ان ما حدث في القدس اظهر ان المحرض الأول والأخير عليه هو المناخ الذي اوجدته الإجراءات الإسرائيلية، بخنق الناس والاستيلاء على ممتلكاتهم واغلاق السبل امام ابسط متطلبات حياتهم، ولعل ابلغ دليل على ذلك تراجع الإسرائيليين كل مرة عن اجراءاتهم التي افضت الى اضطرابات تقف بصعوبة على حافة العنف، وهذا التراجع يجسد اعترافا مباشرا بدورهم المباشر في مسألة التحريض.

القادم ليس مجهولا، بل انه معلوم وفق المقدمات التي تتنامى يوما بعد يوم غير ان المطلوب منا وليس من إسرائيل الخصم الأول ولا من المجتمع الدولي اللامبالي ولا من العرب العاجزين، المطلوب منا ان نعمل على سد الثغرات الكثيرة والواسعة المفتوحة في جدران بيتنا ولا سبيل الى ذلك الا بوقف الاقتتال المركب الذي فرضناه على انفسنا والذي هو الدجاجة التي تبيض ذهبا في حجر الإسرائيليين، وهذا امر بيدنا وحدنا، والعقل الفلسطيني المحتجز تحت سطوة سدنة الجمود قادر على إيجاد المخارج.

لقد خسرنا معركة حضارية عنوانها بندقية الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة صندوق الاقتراع الفلسطيني، ولا يوجد ما يمنع من تعويض الخسارة بسلوك اكثر حكمة وجدوى ليس فقط بحتمية اعتماد صندوق الاقتراع كأساس لنظامنا السياسي وكجزء حيوي من عملية أوسع بل بترميم البيت من داخله أولا.