جاء إعلان وزارة الاقتصاد الوطني خلال الأيام القليلة الماضية، عن اكتشاف وبالتالي إتلاف وسحب من الأسواق منتجات إسرائيلية وبالأخص أنواع من السلطات الملوثة بالبكتيريا، أو تلك التي تحوي مواد كيميائية حافظة أعلى من المسموح به حسب المواصفات الفلسطينية، لكي يثير الارباك والقلق والخوف عند المواطن والمستهلك والناس بشكل عام، وبالأخص هذه الأيام في شهر رمضان.
والمواد الحافظة وبغض النظر عن آلية عملها هي مواد كيميائية، إذا زاد تركيزها عن الحد المسموح به، سوف يكون لها آثار عكسية وتحدث التلوث الكيميائي للطعام، ومن ضمن بقايا المواد الكيميائية في الطعام كذلك العناصر المعدنية ومواد غير عضوية، والمبيدات، وبالأخص في الغذاء الطازج مثل الفواكه والخضار، حيث معروف ان المبيدات الكيميائية تستخدم في أنحاء عديدة في العالم للحفاظ على نوعية وكمية الإنتاج، وبعض هذه المواد تمكث لفترة قصيرة والأخرى تبقى وتنتقل في النظام البيئي الحيوي من التربة، إلى النبات، إلى الهواء، الطعام ومن ثم الإنسان.
ولأن هذه المواد الكيميائية قد تكون ضارة صحياً وبيئياً، فإن هناك دولاً أقرت تشريعات وقوانين للاستعمال الصحيح والآمن لهذه المبيدات، وفي أحيان عديدة لترشيد استخدامها بالكمية الأقل، وهذه القوانين مُلزمة للشركات وللمصانع التي تنتج المبيدات وتوزعها وللمزارعين الذين يستخدمونها، وكذلك مؤسسات التسويق من حيث إلزامها بالسماح لحد معين ما من بقايا المبيدات في المنتوج الذي في المحصلة يصل إلى الإنسان.
وموضوع اكتشاف وإتلاف كمية معينة من السلطات أو غيرها من المنتجات الفاسدة، لا يعني أنه قد تم إتلاف كل ما هو ملوث أو منتجات غير صالحة في الأسواق، حيث من المتوقع أن جزءا من هذه المنتجات ومن غيرها من المنتجات الفاسدة الأخرى ما زال في المخازن بانتظار اللحظة المناسبة للتوزيع، وكمية أخرى وصلت الى الأسواق وما زالت فيها، وجزء آخر تم التهامه من قبل الناس.
وحسب تقرير صدر قبل فترة عن منظمة الصحة العالمية، فإن حوالى 2 مليون شخص يموتون سنوياً، بسبب الأغذية الملوثة او الفاسدة، والتي تشمل الماء والغذاء، ومنهم حوالى مليون ونصف المليون من الأطفال الذين يموتون بسبب أعراض الإسهال ومضاعفاته، الناتجة في غالبيتها عن الطعام الملوث بيولوجيا، وحسب المنظمة فإن الأطعمة الفاسدة هي المسبب الرئيسي لحوالي 200 نوع من الأمراض المختلفة.
وتلوث الطعام قد يحدث بسبب البكتيريا، أو الفيروسات، أو الطفيليات، او بسبب تلوثه بالمواد الكيميائية والإشعاعية، حيث يمكن ان يحدث التلوث في الحقل خلال الزراعة أو القطف أو التعبئة، او خلال السلسلة التي من خلالها يصل الطعام الى المائدة ومن ثم الى الانسان، والطعام الملوث كيميائياً، يمكن ان يؤدي الى أمراض مزمنة أو الى تداعيات صحية بعيدة المدى، مثل أمراض السرطان والتشوهات للأجنة، والتغيرات العصبية والخلقية وغيرهما.
ونظراً لأهمية الموضوع وتداعياته الصحية الخطيرة، فقد تم الاحتفال بيوم الصحة العالمي قبل فترة، تحت شعار «سلامة الطعام من الحقل الى المائدة»، وبدون شك ان أهمية هذا الموضوع تتجلى بوضوح في بلادنا، حيث لا تكاد تمر فترة الا ونسمع عن اكتشاف او عن ضبط ومصادرة وإتلاف أطعمة ومنتجات فاسدة وبأنواعها، وهذه الدوامة أصبحت مكررة ومملة، وتحتاج الى تدخل نوعي، يهدف الى ايجاد حلول جذرية لموضوع الاطعمة الفاسدة او غير الصالحة في بلادنا، اسوة بما تقوم به الجهات المختصة ذات الصلاحيات الواسعة في العديد من الدول.
حيث من المعروف ان هيئة «ادارة الغذاء والدواء الاميركية « على سبيل المثال، تعتبر من أكثر الهيئات قوة وسلطة، ليس على صعيد الولايات المتحدة الأميركية فقط، ولكن على صعيد العالم، ولا يمكن لاي منتج دوائي او غذائي، ان يمر وان يجد طريقه الى السوق ومن ثم الى المستهلك، الأميركي او العالمي، قبل ان يمر بإجراءات طويلة ومريرة ومعقدة ومكلفة، وأن يجتاز العديد من التجارب والفحوصات، قبل ان يصل الى مرحلة التسويق وبالتالي الى أيادي المستهلك، وليس هذا فقط ولكن وبعد ان يصل الى السوق، يتم إجراء الرقابة والتفتيش والفحوصات وبشكل دوري على كل ما تحويه الأسواق من منتجات.
وفي بلادنا، ورغم الجهود والخطوات الصغيرة التي قامت وتقوم بها، الجهات الرسمية وغير الرسمية للتعامل مع ظاهرة الاطعمة الفاسدة، الا ان هذا الموضوع، ما زال يثير القلق والإرباك والحيرة، عند المواطن الفلسطيني، وبالأخص انه يدرك ان ما يتم اكتشافه او ما يتم الاعلان عن ضبطة وإتلافه، لا يمثل الا الجزء البسيط، من تلك المواد الموجودة في السوق، والذي وبدون شك، جزء لا بأس به، يصل الى المائدة، ومن ثم الى ايادي وأفواه المستهلك، وما لذلك من آثار وتداعيات، ان لم نلمسها الآن، فإنه قد يكون لها انعكاسات بعيدة المدى.
وللتخفيف من حالة القلق والهلع التي تصيب الناس في بلادنا هذه الأيام، أو بعد كل أعلان عن اكتشاف أغذية فاسدة، وفي ظل وجود جهات عديدة عندنا، سواء اكانت رسمية أو غير رسمية، تعمل في مجال سلامة الطعام والمنتجات، والذي قد يؤدي في أحيان عديدة الى تضارب أو الى غياب التنسيق بين هذه الجهات، أو حتى الى مبادلة الاتهامات وتحميل المسؤولية حين يكون هناك أشكال أو مشكلة، لذا فإنه من الأحرى المبادرة من اجل انشاء إطار واحد يضم كافة الجهات العاملة في مواضيع سلامة الطعام والدواء، تندرج تحت مظلة مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء مباشرة، وتعمل على تحديد الأولويات وتوفير الإمكانيات تحت مظلة واحدة، وتكون العنوان الاوحد الذي يلجأ اليه المستهلك والمسؤول والمختص والمواطن.
وفي هذا المجال وبدون شك يبقى المستهلك هو اللبنة الأساسية لاكتشاف وللإبلاغ عن المواد الفاسدة، لذا فمطلوب بناء جسور الاتصال وقنوات تبادل المعلومات مع المستهلك، ولا أعتقد ان غالبية المستهلكين الفلسطينيين في الوقت الحالي تعرف كيف والى اين تتجه في حال اكتشاف أغذية او أدوية او مواد سواء منتهية الصلاحية او مشكوك في أمرها، او ظهر لاستخدامها مضاعفات سلبية، وعدا عن ذلك ولو افترضنا ان المستهلك قد قام بإيصال المعلومة الى جهة معينة، فهو لا يعرف كيف يتابع، او حتى انه لا يتوقع ان تقوم الجهات التي تم إعلامها بالتحرك والمتابعة، والاهم التواصل معه إبلاغه ما حدث، وحتى يتم إصلاح هذا الخلل، سيبقى المستهلك الفلسطيني بعيداً عن التواصل والتعاون مع الجهات الرسمية، وستبقى مواد فاسدة او جزء منها ينتشر في السوق بمعرفة او بشك المستهلك، ولكن بدون قدرته او رغبته في إيصال المعلومة الى الجهات المعنية التي تتخذ الإجراءات اللازمة.
ومع تراكم القلق والخوف من دوامة الأغذية الفاسدة، فالأهم في هذه الدوامة المتواصلة، هو العمل الجدي والفوري، لمراجعة وتعديل القوانين الحالية، لكي تكون رادعة، وحتى يتم إعداد قوانين تتناسب مع حجم المشكلة، التي يواجهها المستهلك الفلسطيني، فمن المفترض ان يتم اتخاذ الإجراءات المطلوبة ومنها الإجراءات القضائية بحق من يروج للأغذية الفاسدة، وانه يجب تطبيق القوانين الحالية وبحزم وعلى الملأ وخاصة على الجهات التي تسوق الأغذية الفاسدة وبأنواعها.
وإن لم يتم ذلك فإن المنتجات الفاسدة سوف تبقى في الأسواق، حيث من الممكن اكتشاف وإتلاف جزء منها، وبالتأكيد سوف يصل الجزء الآخر الذي لا يتم اكتشافه الى افواه الناس وما لذلك من تداعيات، وبالأخص تداعيات بعيدة المدى، وبالأخص أن هناك دراسات كثيرة في العالم تربط وبشكل مباشر ازدياد نسبة الأمراض المزمنة أو غير السارية بتلوث الطعام وبالأخص وجود مواد كيميائية ولو بتراكيز لا تظهر لها آثار سامة مباشرة أو لحظية.