المؤسسة الفلسطينية و"هبة" القدس...الغائب "المغرد"!

حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 كتب حسن عصفور القدس، الأقصى، والشيخ جراح أصبحت أكثر أهمية إعلامية من الجائحة الأخطر على الإنسان، بحيث باتت هي عنوان التطورات عالميا، ليس بقوة اللغة البيانية ولكن عبر أقدام وأيدي وصدور أهلها ومن حولهم، تمكن أهل القدس، تقريبا وحيدين، أن يعيدوا للمدينة قدسيتها السياسية، عاد بريقها ليصبح "الحدث" الناطق بروح التحدي ودم الشهداء وجرحى دون تمييز عمري أو طائفي.

دولة الاحتلال تعلم يقينا أنها تخوض معركة قد تكون فاصلة بين مرحلة وأخرى، ولذا تخرج كل قاذوراتها الأمنية لمواجهة أهل المدينة دون أن تحسب حسابا شاملا لما سيكون، وكأنها على دراية، دون غيرها، بأن الرد لن يذهب أبعد من "مواجهة داخل المدينة ومحيطها"، وكل ما يقال ليس سوى بحث تسويقي لحضور لا أكثر.

ترك القدس لتكون رأس حربة دون عمق كفاحي، هو مشاركة عملية في الغزوة الإسرائيلية الجديدة، بعيدا عن "ثرثرة" داخل مؤسسات صراخها يفوق كثيرا فعلها، تتعامل مع المواجهة المقدسية بـ "الشوكة والسكين"، كي لا تجبرها على "دفع ثمن" يضيع معه "حلم التكوين السلطوي".

المسؤول الأول عن غياب عمق المواجهة الوطنية واتساعها، المؤسسة الرسمية الفلسطينية، بين سلطة رام الله وسلطة غزة، وقيادة يفترض أنها للشعب الفلسطيني، معروفة إعلاميا باللجنة التنفيذية، قبل غيرهم من المكونات الحزبية الأخرى.

أن تكتفي سلطة رام الله ورئيسها وبعض منها بمخاطبة العالم بلغة مملة خالية من "الدسم الوطني"، وتصرخ بصوت متهدج ربما يثير السخرية أكثر، وأن تطالب العالم أن يتحرك وهي مصابة بحالة من الشلل العقلي والفعلي، ودون أن تحرك ما يجب تحريكه فعلا، ولديها الكثير جدا، لو حقا قررت ان تكون "قيادة شعب" وليس "قيادة مقر".

سلطة رام الله، حزبها الرئيسي هو مفجر الثورة وقائد الانتفاضة الوطنية الكبرى عام 87، وهي من كانت رأس حربة مع قوى السلطة الأمنية في المواجهة العسكرية الأطول عام 2000، فتح ليس فصيلا اعتاد اللهاث وراء الحدث، بل كانت هي أم الحدث الوطني، كيف باتت تقف متفرجة على القدس والضفة الغربية تعيش سكونا نادرا في لحظة فصل كفاحي بين تاريخ وتاريخ.

لا يمكن لأي فلسطيني أن يصدق أن هذه القيادة تقول حقا، وهي تستبدل المواجهة العامة بـ"التغريد الثوري"، لن تصدق كلمة منها، وهي ترى غياب كلي لأي لقاء وطني ورسمي تكون القدس عنوانه وتطوير المواجهة نحو أشكال جديدة، ولن تكون الخسائر أكبر مما ستكون لو تركت القدس بأهلها فريسة للغزوة الصهيونية الجديدة، كيف يمكن لأي كان تصديق أن هذه "القيادة" تقول الحق، وهي عاجزة عن اتخاذ خطوة عملية واحدة، لتصويب الذات المصابة بأمراض سرطانية مزمنة من تفكك وبلادة، وغياب رؤية وعجر بالقدمين واليدين عدا لسان يتحرك في كل اتجاه دون فعل المواجهة الشاملة.

فيما سلطة حماس، تتعامل وكأن الأمر حدث لتمرير "صفقة" تمنح حكمها الانفصالي قوة مضافة، الى حيت ترتيب حضورها في "محميات الضفة" ضمن "الحل التوراتي"، الذي بدأت ملامحه تطل برأسها عبر بيان الرباعية الدولية، أطلقت من التهديدات ما رفع القيمة الكفاحية عاليا، ولكنها تصرفت وفق حركة "بندول ساعة" يسير وفق نبض غير فلسطيني، وحسب طلب بما لا يذهب الى صدام يطيح بأركان "حلم السلطة" بعد انتظار طال.

حماس التي تتباهى بحجم المشاركين في جنازات شهداء، هي ذاتها التي لم تشارك في فعالية جماهيرية في الضفة، ولم تفرض فعل المواجهة الشعبية، واستغلت عملية زعترة لتختبئ خلفها، ليس لتطوير الفعل بل لمناكفة سلطة أخرى برد الفعل، فيما تتعامل مع مسألة البالونات والصواريخ كمناورة وتسلية وليس ضمن رؤية فعل شامل.

حماس يمكنها أن تفرض منطق المواجهة، بالتعاون مع الكل الوطني، لو أنها قدمت رؤية سريعة فورية لربط عناصر الفعل الموحد بين جناحي الوطن، عمق كفاحي للقدس في الضفة الغربية بكل مدنها وبلداتها وتطور عسكري من قطاع غزة، بحيث يكون الفعل تكاملي وليس استخدامي، ليس هدفه دعم القدس بل رسائل تحسين شروط الصفقة الانفصالية الجديدة.

هل لفلسطيني غير ساذج أو مصاب بعمى عقلي يمكنه تصديق منقسمين حتى النخاع يمكنهم ردع عدو، ووقف تآمره الصريح لتهويد القدس كنقطة انطلاق لتهويد ما يمكن تهويده...إن لم تكن القدس قادرة على "فكفكة الانفصالية – الانقسامية" هل هناك ما هو أكثر تأثيرا...أنه زمن "الرويبضة" لا أكثر!

أحداث القدس ستحدد ملامح المرحلة القادمة أهي تسير نحو كيانية فلسطينية موحدة، ام تذهب نحو محميات بأسماء مستعارة بين جناحي بقايا الوطن...والنص التاريخي لن يتمكنوا من تزويره أي كانت مقدرتهم التزيفية.

ملاحظة: في دولة الكيان سباق محموم لتشكيل "حكومة وحدة" رغم فقدان أسسها..في بلادنا سباق محموم لتعزيز فرقة وطنية رغم مقومات وحدتها...ما أنذلكم!

تنويه خاص: ليت بعض إعلامنا يدقق في استخدام تعابير تتسلل لشرعنة التهويد..وأخطرها تعبير "الحائط الغربي" بدلا من حائط البراق..الفرق رواية تاريخ مش فرق في اللغة!