فكرة الهبّات في فلسطين، فكرة قائمة منذ بداية القرن العشرين حيث لم يفوّت المناضلون العرب الفلسطينيون أي حادثة إجرامية إرهابية ارتكبتها العصابات الإرهابية الصهيونية المؤسِسة للكيان الإسرائيلي المحتل لفلسطين،الا وجابهتها بكل عنفوان الثوار، وقوة الحركة الجماهيرية التي لم تكن لتلتفت لخلافات السياسيين حينها وجعلتهم وراء ظهرها.
كما لم تلتفت الحركة الشعبية الثورية الفلسطينية لمراعاة الاحتلال الإنجليزيالآثم الذي كان يظهر بقناع الطيبة أحيانًا ليمرر للعصابات الصهيونية أهدافها معتمدا على حسن نوايا العرب واقتناعهم بالانجليز!
لذا فالهبات المستندة لتطور حدث معين (ردّ فعل)، أو الانتفاضات محدودة الوقت أوالثورات،مهما كان مسماها حينها، لم تكن قليلة ولم تكن مغفلة من برنامج عمل ثوار فلسطين وشعبها العربي البطل منذ هبّة البراق عام ١٩٢٩ كأشهر هبة فاعلة، وصولا لهبّات القدس الحديثة الكثيرة من هبة أو معركة البوابات الى باب العامود الي سلوان الى الشيخ جراح مؤخرا.
وفي كثير من الأحيان وعلى مدار ١٠٠ عام وأكثر كانت القدس تقف في مقدمة الحوافز على تتالي الهبات لأسباب عديدة ذات طبيعة تاريخية ودينية وقومية مرتبطة بحقنا الأزلي.
التطور الكبير الذي أحدثته الثورة الفلسطينية الباسلة التي انطلقت عام ١٩٦٥ بعنفوان الأمة كاملة، وبفكر وقيادة ياسر عرفات كان بتحويل الأمل المكتوم المنبثق عن النكبة عام ١٩٤٨ الي حقيقة بالنضالية والتحرير، وبالفعلالناجز والتنظيم المحكم، والتعبئة الأبدية الفكرة العادلة، وبتحويل الفعل المؤقت الى دائم، وبتحويل المحدود الى فعل ممدود مساحة جغرافية، وكثافة أحداث متتالية، وفئات شعبية.
كانت فكرة الديمومة، ولقاء كل القوى علي أرض المعركة، وديمقراطية غابة البنادق تلك المرتبطة بالإصرار والتحدي والمواجهة ودوام المقاومة مع تعدد الأشكال، وإمكانية الخيار الجماعي، هي الفكرة الإبداعية العظيمة التي كرستها الثورة الفلسطينية منذ الانطلاقة حتي اليوم.
الهبات المؤقتة تلك المنبثقة نتيجة فعل فتؤدي لرد فعل، قد تؤثر وترفع من قيمة القضايا فتغيّر، ولكن ارتباط الهبّات بالحدث المؤقت أو المحدود قد ينزع عنها إيجابية تحقيق الإنجاز الكامل ما هو واجب الثورة أو المقاومة في فعل الديمومة التي تجند كل القوى (الفكرية والسياسية والإعلامية والعسكرية والجبهوية الوطنية والشعبية والعربية والعالمية الحرة….الخ) لتحقيق الهدف والانجاز وتراكم الانتصارات.
المقاومة الشعبية السلمية اليوم، خيار كل الفلسطينيين،أو خيار كل فصائل الثورة الفلسطينية التي إن لم تستطع أن تحسم وضعها الهلامي القائم بين الدولة والثورة، فلن تستطيع أن تتخذ القرار الحاسم.
تحديد المرحلة التي نعيشها أصبح له من الأولوية ما يحتاج لوفاق وطني كامل –سواء بانتخابات أو بدونها– ولكن ليس بدون مكوّنات الشعب الفلسطيني كلّه بالداخل والخارج، وليس بدون التخلص من ذوي النزق والأهواء والاستبداد والانهزامية من الانتهازيين المتأسرلين والانعزاليين.
مازال حتي اليوم الصراع قائما بين فكرة الدولة والبناء الرافضة لأي انتفاضة أومقاومة غير مسيطر عليها! ولهؤلاء تنظيراتهم التي يحافظون بها علي منجزات السلطة الكثيرة نعم، ولكن معها في المقابل بحقيقة الأمر يربطون مصالحهم الآنية الذاتية الانتهازية التي تكونت بالعلاقة بين العدويين فلا يميّزون بين حقيقة المطلوب من انتفاضة أو مقاومة شعبية سلمية دائمة ومهدّفة ومبرمجة ومتسعة، وبين الحفاظ على أي حراك محدود منضبط تحت عين السلطة سواء تلك الشرعية في الضفة،أو تلك التي تم افتكاكها بالدم في غزة، ولا ينفع أصحاب الشعارات شعاراتهم.
الثورة الفلسطينية المجيدة لعشرات السنين وضعت الحلم موضع الفعل،وجعلت من الآمال حقائق عبر الفعل المتكاثف والمتكاتف، ولو لم يكن للديمومة (الهدف والاستمرارية بدوام الأفعال بالوسائل المختلفة) من محل لما كان لها هذا الامتداد حتي اليوم، رغم اختلاف الظروف وتشتت القريب والبعيد بانشغالاته الصهيونية التي استطاعت فيها الإدارة الإسرائيلية الذكية أن تستخدمها فتجنّد عددًا من قادة الأمة الساقطين، والأبعاض من الفلسطينيين لخدمتها!
كل التحية لحراس الفضاء الفلسطيني بشقي البرتقالة ضد المستعمرين (المستوطنين) العنصريين الإرهابيين الذين يحتلون بلادنا، وكل التحية للمناضلين العرب والفلسطينيين وأحرار العالم الذين فهموا الديمومة بالمقاومة قضية عادلة وحق لا يموت مطلقًا، فالتحرير والعودة حق لا يموت، والنصر من الله كائن بأسبابه فينا، فلم ينصاعوا للآلة الصهيونية الجهنمية التي استباحت أرض الأمة فاحتلتها فعليًا كما احتلت عقول بعض قادتها، وعقول عدد من الأراذل حتى من السياسيين والإعلاميين والمفكرين على قلتهم.
كل التحية للمناضلين العرب الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس من حركة فتح وغيرها، الذين يقاومون الاحتلال ضمن عقلية الديمومة وعقلية الحق والقضية العادلة، وهم الذين سيغيّرون المعادلة القائمة داخليًا وخارجيًا فيعيدون لقضية احتلال فلسطين العربية الوهج اللازم للقضاء علي الاحتلال،والعنصرية والأبارتهايدية الإسرائيلية المرتبطة باليمينية التوراتية الأسطورية الرواية، المكذوبة.