هل حان وقت الصحوة على خطر «داعش» ؟

Untitled
حجم الخط

أغلب الظن أن «داعش» أوقع نفسه في الفخّ الذي لم ينصبه له أحد معتقداً أنه ينصب الفخّ الأكبر لكل خصومه وأعدائه. بإقدامه على هذا القدر من العنف المتوحش في باريس وفي الضاحية الجنوبية، وبإسقاطه للطائرة الروسية وقبلها العمليات التفجيرية في تركيا، وإذا ما صحّت الإعلانات البريطانية والفرنسية والتركية وغيرها عن احباط أكثر من عشرين عملية كبيرة في الستة أشهر الأخيرة فقط فإن «داعش» يكون قد اتخذ «قرارات» للتحول إلى تدويل عملياته وإلى توسيعها بحيث تصبح عابرة لكل الأقاليم ولكل القارات. تُرى ما الذي دعا «داعش» إلى مثل هذه التحولات؟ وهل يعكس هذا التحول قدراً أكبر من القوة أم أنه نتيجة لشعوره بالضعف، أم أن المسألة (مسألة التحول إلى تدويل عملياته) باتت ملحّة وضربات استباقية قبل أن يدخل في مرحلة الاختناق؟ ليس من السهل الإجابة اليقينية على هذا السؤال، لكن هناك من العناصر والمعطيات ما يُرجّح أن يكون هذا التحول قد فرض نفسه في ضوء قراءة «داعش» للمتغيرات الأخيرة في الشهور الأخيرة. فقبل كل شيء استلم «داعش» رسالة الاتفاق الإيراني الغربي والتي لا بد وأن تعطي لإيران وحلفائها الكبار والصغار هوامش جديدة غير مسبوقة ولم تكن ممكنة أصلاً قبل هذا الاتفاق. كما فهم «داعش» أن من أهم تداعيات هذا الاتفاق على المستوى الميداني هو الدخول المباشر للروس إلى ساحة المعركة ـ وهذه مسألة تغيّر في الواقع الميداني بصورة استراتيجية ـ وتحوّل التدخل الإيراني المباشر إلى نوع من «الإجراء المقبول» وهو الأمر الذي سيزيد من قدرة النظام السوري على «الصمود». وفهم «داعش»، أيضاً، أن هذا الاتفاق سيُفضي حتماً إلى تراجع كبير في الضغوط التي كانت تمارس على نظام الأسد وربما الوصول إلى مساومة مع النظام لا تتعدى في نتائجها النهائية أبعد من تقليم أظافره، والقبول بكونه جزءاً من الحل الدائم وليس المؤقت فقط للمعادلة السياسية في سورية على الرغم من الاختلاف على دور الرئيس الأسد. وفهم «داعش»، أيضاً، أن دخول الروس على الخط العسكري المباشر سيؤدي من بين ما سيؤدي إليه إلى «إحراج» الغرب بحيث يضطر هذا الغرب إما إلى الانسحاب التدريجي من الضغط على النظام أو إلى التورط في حرب عسكرية ضد داعش وجماعات الارهاب في سورية أولاً، وفي العراق ثانياً، وهو ما يهدد سيطرة وتحكم داعش بهذا القدر الهائل عن المساحة الجغرافية إضافة إلى الموارد الاقتصادية والبشرية التي تقع تحت نفوذه المباشر. أرسل «داعش» ثلاث رسائل خاصة لكل من مصر وتونس ولبنان وهو ـ كما أرى ـ سيحاول إرسال رسائل جديدة إلى كل الدول العربية التي يراها منخرطة في الحرب عليه. وأما الرسائل إلى الغرب فقد نجحت بالوصول إلى فرنسا وهو سيرسل برسائل جديدة قد لا تكون أقل عنفاً ووحشية من عمليات باريس. وأغلب الظن أن وكلاء داعش هم الذين يقومون بإيصال الرسائل إلى البلدان العربية في حين تتحمل القيادة المركزية لداعش المسؤولية المباشرة عن الضربات في البلدان الغربية. «داعش» قرأ جيداً الانتقادات الغربية للروس وطلبهم المتكرر التركيز على «داعش» والابتعاد عن ضرب الفصائل المسلحة الأخرى. كما قرأ جيداً على ما يبدو أن الاحتفاظ بهذه المساحات الواسعة في ظل ما وصلت إليه الأمور ميدانياً وصعوبة اللعب على حبال الاختلاف ما بين الحلف الروسي الإيراني والحلف الغربي العربي، وبعدما «تحقق» ما تحقق في (فيينا) أخيراً وبدأ الحديث المباشر والصريح عن أجندة منسقة للحل السياسي في سورية في غضون ثمانية عشر شهراً وهو الأمر الذي يعني ان الحرب على داعش باتت تطبق عليه من كل جانب وأن بقاءه أصبح في خطر. يبدو أن «داعش» في ضوء ذلك كله «قرر» أن يضرب بكل قسوة وبكل الإمكانيات المتاحة أملاً في انهيار التحالف الذي بات يُطبق عليه، أو حتى تتعرض النخب السياسية في الغرب لاحتجاجات تجبرها على التراجع أو التردّد في حرب لا هوادة فيها ضد داعش. ربما تكون هنا بالذات الخطيئة السياسية الذي أوقع «داعش» نفسه بها، فالغرب لم يعد يستطيع تحمل هذه الدرجة من التهديد، وهو (أي الغرب) يفضل الحرب على داعش وبلا هوادة على الانسحاب من أمامه والتراجع عن تدخله المباشر ضده. السبب واضح هنا، فعلى الرغم من أن داعش هو ربيبة الغرب إلاّ أنه تمرّد على هذا الغرب عندما «تمكن» من القدرات والمساحات والموارد التي كان يسعى لها بحيث أنه لم يعد قابلاً للاستخدام كما كان عليه الأمر قبل عدة سنوات فقط. كلنا يعرف أن داعش كان مدعوماً من الجميع إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فإيران عَبر المالكي سلّمته الموصل أملاً في أن يبقى من الأرضية الطائفية ما يكفي لاستمرار هيمنتها، وتركيا نفسها كانت ملاذاً آمناً لداعش، وحتى بعض البلدان العربية لم تتنبّه لمخططات داعش إلاّ بعد فوات الأوان، والولايات المتحدة والغرب عموماً غضوا الطرف عن داعش لفترة كافية لتمكنه من المنطقة. إذن من كان ضد داعش؟ ألم يكن النظام السوري نفسه يغازل داعش ميدانياً؟ إذن العالم ربما بدأ يدرك خطر داعش والداعشية وعملية التدعيش التي تستمر منذ عدة سنوات في هذا الإقليم؟ يمكن أن يختفي داعش لكن الداعشية هي المشكلة، وهي جوهر المسألة وأصلها وجذرها، وهي مسألة تتعلق بإنتاج الاستبداد والفقر والجهل وفي استمرار تسيُّد الخطاب الديني لعرش السياسة في هذه المنطقة. وإلى أن يتم الانتقال من الحرب على داعش إلى الحرب على الداعشية فإن كل ما يدور عنه الحديث اليوم هو مجرّد معالجات فنية على الطريقة الأميركية، وسنكون أمام دواعش جديدة في مناطق جديدة، لأن البيئة الحاضنة للداعشية موجودة في كل مكان من هذا الوطن العربي.