سؤال مباشر إلى المطبعين العرب

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

بقلم: رجب أبو سرية

يكشف الصراع في القدس بين مواطنين عزل، كل ما يسعون إليه هو أداء الشعائر الدينية في دور العبادة الخاصة بهم، كذلك بين مواطنين يعيشون في منازلهم منذ عشرات السنين، وبين جنود احتلال مدججون بالسلاح ومستوطنين متطرفين، ينكرون آدمية الآخر وحقه في أبسط ظروف الحياة الكريمة، مدى ما هي عليه إسرائيل من تمييز عنصري، ومن بطش تمارسه ضد شعب محتل، تضطر معه من أجل الحفاظ على بقاء الحالة الاحتلالية الشاذة، إلى ممارسة كل ما هو معاكس للمنطق وللقانون الدولي ولحقوق الإنسان.
يعيد البطش الاحتلالي الإسرائيلي هذه الأيام، صورة إسرائيل التي هي عليها منذ أكثر من أربعة وخمسين عاما، صورة استعمارية كانت عليها الكثير من الدول قبل عقود طويلة، وانتهت، ولم تبق سوى إسرائيل على هذه الشاكلة المزدوجة، فهي من جهة دولة احتلال، ومن جهة ثانية دولة تمييز عنصري، قالت بهذا غير منظمة دولية مختصة، ومنها منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسليم»، التي تتابع عن كثب وبشكل حثيث ومتوصل، السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون في وطنهم المحتل.
مشكلة إسرائيل تكمن في حقيقة الأمر، إلى كونها تنكر من حيث المبدأ جوهر الصراع، وهي لا تسمع لكل العالم، ولا ترى أحدا سوى ظلها، فهي لا تقر بأنها دولة احتلال، تحتل ارض دولة فلسطين وشعبها، في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، رغم أن كل العالم يقول بهذا، وهي لذلك لا تسعى إلى حل المشكلة الناجمة عن هذا الاحتلال، ولم يكفها أكثر من خمسة عقود مضت حتى تقتنع باستحالة أن تفرض بكل قوتها وجبروتها العسكري واقع الاحتلال، وتصبح بذلك دولة طبيعية.
أغلقت إسرائيل اليمينية المتطرفة أبواب التفاوض منذ نحو سبع سنوات مضت، لأنها لا تجد انه من المناسب أن تتوصل إلى حل يرضي الطرف الآخر، الذي لا تراه إلا عابرا في وطنه، أو زائدا عن الحاجة، أو مواطنا غير مرغوب فيه، وما زال مواطنو الضفة الغربية وقطاع غزة، ممنوعا عليهم ممارسة حقوقهم السياسية، وأيضا مواطنو القدس نفسها، ما هم في تعامل إسرائيل القانوني سوى «مقيمين» في القدس، وليسوا مواطنين فيها، فيما تقوم منذ احتلالها بزرع المستوطنين دون وجه حق، في تغيير مخالف للقانون الدولي للواقع، وفي ممارسة عنصرية لاحتلال غير مشروع.
لو كانت إسرائيل دولة طبيعية قابلة أو مستعدة للعيش والتعايش مع جيرانها ومع محيطها، لسارعت إلى وضع حد لحالة الشذوذ التي هي عليها، ولسعت بكل وسعها لوضع حد لاحتلالها لأرض وشعب آخر، لا إلى أن تغمض عينيها كما تفعل النعامة، وكأن إغلاق العينين يخفي حقيقة الواقع التي لا ترغب في رؤيتها.
وفي القدس بالذات، تصدق إسرائيل دونالد ترامب وتكذب الدنيا كلها، وتقول، إن المدينة المحتلة، ما هي إلا عاصمتها الموحدة، ولا ترى وجود المواطنين الفلسطينيين، الذين ولدوا وعاشوا حياتهم فيها، ولا تراهم هي إلا مجرد مقيمين، ولا يرى المتطرف الديني اليهودي في الآخر المسلم والمسيحي إنسانا من حقه أن يمارس شعائره الدينية في مكان عبادته، أي في مسجده أو كنيسته، بل الأسوأ من هذا يرى من حقه أن يقوم بتدنيس مكان عبادة الغير، ويفعل هذا المستوطن والجندي على حد سواء.
يقوم الجندي الإسرائيلي، المنفذ لسياسة وأوامر قادته، بدخول المسجد وهو يطلق النار، ويدوس بحذائه مفارش الصلاة الطاهرة، ولا يقيم وزنا لمشاعر الآخرين، كما يفترض المستوطن الذي جاء من مكان بعيد برأس ممتلئ بالوهم، بأن من حقه أن يقتحم مكان عبادة المسلم والمسيحي، وأن هذا من حقه، ولا يسأل نفسه أو يتساءل عن عكس الصورة، وإن كان هذا السلوك يمنح غيره الحق نفسه، بحيث يصبح أدنى احترام لمشاعر الآخرين الدينية منتهكا هكذا، فلا يقيم احد اعتبارا لمصل أو متعبد في بيت عبادة.
جبروت القوة وكراهية الآخر يتحكمان بقادة إسرائيل اليمنيين، الذين حكموها وتحكموا في سياستها منذ عقدين مضيا من الزمان، وضعوا خلالها حدا لمحاولة التوصل لحل سياسي بين الطرفين، يضع حدا للاحتلال، ويؤدي إلى «تعايش» بين شعبين في دولتين متجاورتين طبيعيتين، قابلتين للحياة معا.
لا يتذكر ولا يكلف ضيقو الأفق من بين قادة إسرائيل أنفسهم لأخذ العبرة من نماذج استعمارية عديدة مرت على البشرية، ولا حتى من آخر نموذج للفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وفي حقيقة الأمر، فإن تعيش إسرائيل منذ أكثر من عامين مأزقا داخليا سببه ضيق أفق اليمين بالذات، الذي يعيش في عالم آخر، لا يمت لهذا الزمان بصلة، يمكن أن يكون أحد الدوافع التي تدفع ببنيامين نتنياهو وأركان حكمه لتوتير الجبهة القريبة، أي نقاط التماس مع الشعب الفلسطيني، في محاولة لإنقاذ حكمه أولا، وثانيا في محاولة للتخريب على السعي الدولي للتوصل إلى صيغة تعيد الطرفين الأميركي والإيراني للعمل مجددا بالاتفاق النووي المبرم العام 2015.
ما يهمنا في هذه المناسبة، هو أن نوجه سؤالا مباشرا، إلى بعض الأشقاء من العرب، الذي نسوا بأن إسرائيل دولة احتلال، وغضوا البصر عن كونها دولة تمييز عنصري، وقاموا بعقد اتفاقيات التطبيع معها، مفاد السؤال، هو ألا يستحق ما تقوم به إسرائيل بجنودها ومستوطنيها في القدس خاصة، لأن يدفعكم لترفعوا عقيرتكم بالرفض والاستنكار، والأهم إلى أن تراجعوا الخطأ الذي ارتكبتموه حين اعتقدتم بأن إسرائيل «دولة طبيعية» وهي على حالة الاحتلال والتمييز، والتراجع عن الخطأ خير من التمادي فيه، فالتمادي يتحول بالخطأ إلى خطيئة، أم أنكم ما زلتم تنتظرون زلزالا يهز عروشكم المستبدة، حتى تنتصروا لمواطنين ينكل بهم لإخراجهم من وطنهم، ليس لشيء سوى أنهم يقولون ربنا الله، وهم بالمناسبة، من بني جلدتكم وعلى دينكم!