سيظل المحتلون الإسرائيليون يحاولون تفكيك قضية فلسطين، يحولونها من قضية استقلال وحرية إلى قضية نزاع على ملكيات البيوت والمنازل الصغيرة التي يسكنونها، أي من حركة تحرير وطنية جماهيرية، إلى نزاع شخصيّ خاص!
كثيرون طالبوا أهل البيوت المعرضة للمصادرة في حي الشيخ جراح في القدس أن يُبرزوا للمحكمة الإسرائيلية الاحتلالية، التي صكَّتْ قوانينها وفق مبدأ ترسيخ الاستيطان، أن يبرزوا لهذه المحكمة وثائق ملكية البيوت التي يسكنونها منذ عقود طويلة، وأن يستجدوا المحامين والوسطاء وزعماء الدول العربية والأوروبية والأميركية لكي (تتكرم) محكمةُ جيش الاحتلال بتأجيل القضية، أو تجميدها مؤقتاً، مع العلم بأن صك، الطابو الوحيد والمعتمد عند الاحتلال الإسرائيلي هو صك الأوهام التوراتية.
بدأ المحتلون بتفكيك قضيتنا، وتحويلها من قضية تحرُّر عالمية، إلى قضية عقدية دينية يعود تاريخها إلى أربعة آلاف عام، استطاعوا أن ينفذوا إلى التاريخ والدين والعقيدة في كثير من بلدان العالم، غرزوها في كتبهم وفي أفكارهم، انطلتْ هذه الفرية علينا وعلى غيرنا، ما اضطرنا إلى أن نخوض معهم حرباً خاسرة في صفحات كتب التاريخ القديم!
حاولوا أيضاً تفكيك قضيتنا بصرف انتباهنا عن حقنا في الاستقلال والحرية كشعبٍ مُستعمَر بعد أن خسرنا ممتلكاتِنا، أرضَنا العام 1948، ومن ثَمَّ، لجأنا إلى القرار الأممي 242، ثم غرروا بنا عندما أعلنوا قبول حل الدولتين، ثم رفضوا هذا الحل لأنه يُهدد أمن دولتهم، ثم نقلوا اهتمامنا إلى أخطر نموذج استعماري عنصري في تاريخ البشرية، (الحركة الاستيطانية) أصبحنا نُطارد (النشاط الاستيطاني)، وجدار الفصل العنصري، والحواجز العسكرية، ومصادرة أرضنا، ظنوا أن هذا التفكيك سيُلغي مطالبة الأجيال بالعودة إلى وطنهم، ثم حاولوا نقلنا من خانة مطالبنا الشرعية وفق القرارات الدولية، بوجوب تفكيك كل المستوطنات المقامة على أرضنا، إلى خانة؛ أن نُطالب فقط (بتجميد) الاستيطان، أو إزالة (البؤر) الاستيطانية العشوائية، وظنوا أنهم نجحوا في مسعاهم!
لم يتوقف سعيُهم عند كل ما سبق، بل حاولوا تمزيق فلسطين كوطن، فشرعوا في تمزيق أجزائه: غزة، الضفة، (عرب 48) البدو، الدروز، المسيحيين، اعتقدوا أيضا أن هذا التمزيق سيدفن قضية فلسطين إلى الأبد!
استمرَّ مسلسلهم التفكيكي في أرضنا، فقد فككوا أرضنا في اتفاقية أوسلو إلى ثلاثة أجزاء، جزءٍ يسمى «ألف»، جعلونا نشعر فيه بأننا دولة ذات سيادة لنا ما للدول من أدوات ووزارات وتيجانٍ وهالات، أما الجزء «باء» نشعر فيه بأننا آباءُ مغتربون مخلصون، ننفق على أبنائنا، مع بقائهم تحت نير الاحتلال، أما الجزء الثالث «جيم» وهو الأكبر والأهم، فلهم ما فيه من ثرواتٍ وكنوز، ولنا نحن حلمٌ في أن نعيد شطراً منه إلى حضن الوطن!
لم يكتفِ مخططو التفكيك بذلك، بل عمدوا إلى تفكيك مقدساتنا الدينية، بدؤوا بحرمنا الإبراهيمي، وشرعوا في حياكة أحابيل المؤامرات، واستخرجوا من نصوصهم القديمة أنهم مالكوه الحقيقيون، وأنهم يملكون عقد شرائه منذ أربعة آلاف سنة ونجحوا في شقه نصفين!
على الرغم من كل محاولات التفكيك السابقة، إلا أنهم فوجئوا بأن كل محاولاتهم التفكيكية تفشل حين يقتربون من القدس، بخاصة الحرم القدسي، فهم لم يحسبوا أنَّ في القدس بركاناً يُشعل كلَّ المحيط، دائما تنجح القدسُ في إعادة صورة الاحتلال العنصري البغيض لأرض فلسطين، وتنجح في إعادة ركائز القدس التوحيدية، الدينية، والسياسية إلى مسارها الصحيح!