القضية الفلسطينيّة على جدول أعمال العالم مجدّداً

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

بقلم: هاني حبيب

قرر نتنياهو الانتقال مع وزرائه وكبار رجال أمنه من مكان اجتماع الكابينيت «المجلس الوزاري المصغر» في الكنيست إلى مكانٍ آخر أكثر حماية؛ بعد دوي صفارات الإنذار في العاصمة الفلسطينيّة إثر وصول عدّة صواريخ إلى القدس المحتلة قادمةً من قطاع غزّة، وذلك بعد أن تم تعديل ثم إلغاء مسيرة عتاة المستوطنين المقرّرة، إحياءً لما يسميه الاحتلال ضم القدس وتوحيدها واعتبارها عاصمة موحّدة بعد حرب 1967، ولا شك أن الرسالة الأولى من هذا السياق وربما الأكثر أهمية التي أرسلها المقدسيون إلى دولة الاحتلال، أن العاصمة الفلسطينيّة المحتلة لم تكن ولن تكون عاصمةً موحّدة لدولة الاحتلال، لا «صفقة القرن»، ولا تطبيع بعض العرب معها يحول دون تأكيد حقيقة لا تقبل النقاش، بأنّ القدس عاصمة لدولة فلسطين وشعبها، وأن كل محاولات التهويد والتهجير والعنصرية والاستيطان لن تغيّر من هذه الحقيقة الأكيدة، لا الآن، ولا في المستقبل، خاصةّ بعدما فشل الاحتلال في تحويل الصراع على العاصمة إلى صراع ديني بينما هو في الأصل والجوهر شأن سياسي بامتياز.
جولات عتاة المستوطنين، خلال الأيام القليلة الماضية، في المسجد الأقصى وحوله من باب العامود إلى الشيخ جراح مع صراخهم المدوي «الموت للعرب» كانت رسالة ولا أوضح بأنّ دولة الاحتلال وإمكاناتها السياسيّة والعسكرية والأمنية لا تستهدف الشعب الفلسطيني فقط بل العرب كل العرب، وملامح الصدق بادية على وجوه المستوطنين الفاشيين وهم يصرخون بصوتٍ عالٍ: «الموت للعرب كل العرب». وهذه رسالة إلى كل العرب، خاصةً المطبّعين منهم الذين توهموا أن بإمكان دولة الاحتلال حماية عروشهم مع أنّها غير قادرة على حماية ما تُسميها عاصمة لها.
مع ذلك، تأكد أن دولة الاحتلال لا تأبه كثيراً بردود الفعل على جرائمها سواء من أصدقاها أو من خصومها وأعدائها، ولا تكترث بما تصدره وتحدده مواقف المؤسسات الحقوقية الدولية وتقاريرها، وهي غير معنية بالرأي العام العالمي بعدما لم يكترث هذا الأخير بتكرار الصور والأشرطة التي تُظهر دموية الاحتلال وأدواته العسكرية والأمنية. وبات تكرار هذه الصور والأشرطة وكأنها مسكن للرأي العام بعدما اعتاد عليها أو سلّم بحقيقة أنّ دولة الاحتلال دائماً ما تفلت من العقاب على الجرائم التي ترتكبها، نقول ذلك، لأن الصور والأشرطة التي تم بثها أثناء هذه الحرب على العاصمة الفلسطينية، كان من شأنها إثارة حتى من ليس له إحساس بالإنسانية والضمير الأخلاقي، ومع ذلك تعاملت دولة الاحتلال بإهمال ودون اكتراث للرسائل التي يتوجب أن تبثها هذه الأدوات الإعلامية.  
في الحرب على العاصمة، ارتكب نتنياهو أخطاء عديدة، ذلك أنه لم يقدر بدقة إمكانيات الشعب الفلسطيني على المواجهة خاصة عندما انضم الداخل مع قطاع غزة لنصرة الأهل في القدس، وأخطأ مرة أخرى عندما أدت هذه الحرب إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى جدول أعمال العالم من جديد، إلا أن الخطأ الأبرز تلك الشكوك المتزايدة لدى الرأي العام الإسرائيلي في مدى واقعية أن القدس الموحدة عاصمة لدولتهم، مع ذلك فإن نتنياهو نجح في استثمار هذه الأخطاء عندما عرقل توصل معارضيه إلى تشكيل حكومة فشل في تأليفها، وذلك على خلفية الحرب على العاصمة الفلسطينيّة.