عادت قضية القدس، من عاصمة موحدة لدولة "إسرائيل" كما فرضت ما تُسمى بـ"صفقة القرن"، وقضية من قضايا الوضع النهائي كما أقرت اتفاقية "أوسلو"، إلى مركز عملية التفاوض بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال "الإسرائيلي"؛ لوقف إطلاق النار.
هذه هي المعادلة التي استطاعت المقاومة الفلسطينية إرسائها في نجاح يُسجل لها ليس في غزّة بل على امتداد فلسطين من القدس إلى الضفة الغربية إلى الداخل الفلسطيني المحتل.
ما سبق يطرح تساؤلات حول أهمية الإنجاز الذي حققته المقاومة على صعيد مدينة القدس؟ وكيف يُمكن استثمار هذا الإنجاز التاريخي؟
خسارة كبرى لدولة الاحتلال الإسرائيلي
الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي، باسم أبو عطايا، رأى أنّ المشكلة لدى الاحتلال في أنّ هذه المواجهة حوّلت القدس إلى مادة للتفاوض؛ لذلك يتهم الكل "الإسرائيلي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بإعادة القضية الفلسطينية إلى المربع الأول.
وأضاف أبو عطايا في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "هذه المواجهة جعلت للمقاومة وصاية وكلمة على مدينة القدس"، مُبيّناً أنّ الصحافة "الإسرائيلية" تتهم نتنياهو بأنّه تحدى "محمد الضيف" وفي نهاية الأمر خسرت "إسرائيل"، بمغامرته في الشيخ جراح دون أنّ يلتفت لتهديدات المقاومة.
وأوضح أنّ المقاومة حققت إنجازًا كبيرًا في قضية القدس، وذلك ليس في غزة فقط، وذلك بتحريكها كل شوارع فلسطين المحتلة، سواءً في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني عام 48.
وأردف: "هذه المواجهة وحدت الشارع العربي والإسلامي على قضية القدس؛ ومن هنا تتحدث دولة الاحتلال عن الخسارة الكبرى بأنّ أصبحت القدس عنوان تفاوض؛ الأمر الذي يؤكد انتهاء صفقة القرن".
ولفت إلى أنّ ما يُصعب مسألة التهدئة في قطاع غزّة، هو إصرار المقاومة على دخول القدس ضمن شروط التفاوض، مُبيّناً أنّه مجرد قبول الاحتلال بالقدس مادة للتفاوض، فهو بحد ذاته خسارة كبرى لدولة الاحتلال.
وفي رده على سؤال بشأن تغير المشهد في القدس بعد الحرب على غزّة، قال أبو عطايا: "إنّ المقاومة استطاعت إرساء قواعد اشتباك جديدة؛ وبالتالي فإنّ "إسرائيل" ستُفكر قبل العبث بالقدس في رد المقاومة".
سقوط صفقة القرن
وأشار أبو عطايا، إلى أنّ دولة الاحتلال وإنّ رفعت يدها لفترة عن مدينة القدس، إلا أنّها لن تتوقف عن الذهاب في محاولات ضمها، لأنّه لا بد من إيجاد حل جذري.
الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، اعتبر أنّ وجود القدس على طاولة التفاوض بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال "الإسرائيلي"؛ لفرض وقف إطلاق نار يعكس تغير وجهات النظر؛ بجعلها مركز التفاوض وكسر الرؤية الإسرائيلية القائمة على أنّها عاصمة لدولة الاحتلال.
وقال عوض في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنّ القفزة العالية التي أحدثتها المقاومة في موقع القدس؛ أدى لإسقاط ما يُسمي بصفقة القرن"، مُشيراً إلى أهمية الدور المصري في أزمة غزة، وأنّ النصر الذي حققته المقاومة على الأرض ليس معنوياً فقط.
سياسية فلسطينية مغايرة
من جهته، أكّد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية طلال أبو ظريفة، على أهمية بقاء القدس حاضرة في إطار المقاومة مع الاحتلال، وذلك في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها من الاستيطان الزاحف والتهويد والأسرلة.
ورأى أبو ظريفة في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنّ "كل قواعد الاشتباك تغيرت مع الاحتلال في ضوء المعركة التي فرضتها الاعتداءات الإسرائيلية في مدينة القدس"؛ مُردفاً: "لا يمكن إبقاء الصراع موجود ومتجذر في ظل وحدة النضال والبرنامج والأهداف لشعبنا".
وشدّد على أنّ مواجهة مخططات الاحتلال تستدعي سياسية فلسطينية مغايرة، قائمة على وحدة الاستراتيجية، وشراكة في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي واجتماع الأمناء العامين، في إطار قيادة موحدة للاستفادة من المواجهة مع الاحتلال.
وبالحديث عن ارتقاء ردة فعل القيادة الفلسطينية لمستوى الحدث في الأراضي الفلسطينية من عدمه، قال أبو ظريفة: "إنّ القيادة لم ترتق لمستوى الحدث؛ وبالتالي كان من المفترض أنّ تتخذ خطوات جادة تؤدي لتفعيل قرارات اجتماع القيادة في 19 مايو الماضي، وذلك على صعيد العلاقة مع الاحتلال والتنسيق الأمني، وتطبيق قرارات المجلس المركزي، واتفاق الأمناء العامين في أيلول سبتمبر الماضي.
وختم أبو ظريفة حديثه، بالقول: "لا زالت المراهنة قائمة على ما تبقى من اتفاق أوسلو، بالاعتماد على المفاوضات دون النظر لميزان القوى الذي حققته المقاومة في غزّة".