بعد أنّ وضعت الحرب أوزارها في غزّة، لا حديث يعلو فوق صمود وقف إطلاق النار من عدمه، وكأنّ متلازمة الحرب القادمة لا زالت تُلاحق الغزّيين رغم مضى ساعات معدودة فقط على وقفها؛ فشراسة الحرب لا تُغادر عقولهم وقلوبهم على الرغم من ارتفاع روحهم المعنوية التي عزّزتها صواريخ المقاومة التي كانت تُطلق بتكبيرات تهز أركان القطاع، في إشارة إلى الحاضنة الشعبية للمقاومة التي هي من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.
لكنّ استمرار أسباب اندلاع الحرب من تواصل الاقتحامات في الأقصى والتهديدات والتضييق على سكان الشيخ جراح، بالإضافة لفشل دولة الاحتلال "الإسرائيلي" في التقاط صورة نصر من خلال اغتيال قادة المقاومة، جدّدت المخاوف والتساؤلات حول إمكانية صمود وقف إطلاق النار الحالي، ولماذا الذهاب لوقف إطلاق نار بدون شروط؟ وما الوسائل المطلوبة للحفاظ عليه؟.
استمرار التهدئة أكثر وجاهة من اختراقها
المختص في الشأن الإسرائيلي، شاكر شبات، رأى أنّ صمود اتفاق التهدئة بين فصائل المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"، منوط بالظروف التي اندلع من أجلها العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة؛ بمعنى وقف الاعتداءات في المدينة المقدسة من اقتحامات للأقصى ومحاولات إخلاء حي الشيخ جراح.
وقال شبات في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنّ العامل الثاني لصمود التهدئة من عدمه؛ هو احتمالية قيام إسرائيل بعملية اغتيال لقادة المقاومة؛ لفشلهم في تنفيذ نقاط قوة خلال المواجهة الأخيرة بقدرتهم على اصطياد هدف ثمين كما يقولون".
واستدرك: "لكنّ قوة الوساطة؛ وخاصة المصرية ستعمل على صمود وقف إطلاق النار؛ لأنّ أيّ اختراق إسرائيلي لن يكون في مصلحتهم وسيكون له ارتدادات قوية لا يخدم مصالحهم ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا".
ولفت إلى أنّ وجود عامل ثابت؛ لعدم اختراق وقف إطلاق النار، وهو أنّ الطرفين لم يعد لديهم أهداف لاستمرار العملية؛ فإسرائيل لم يتبقَ لها إلا الدخول البري وهو الأمر الذي تُجمع "إسرائيل" من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على استبعاده؛ لتكلفته العالية على جميع الأصعدة.
وأضاف: "فصائل المقاومة استطاعت ضرب عمق الاحتلال وأوصلت رسائل من خلال صواريخها"، مُرجحًا أنّ أسباب استمرار التهدئة أكثر وجاهة من اختراها.
"إسرائيل" لا تريد دفع ثمن استراتيجي للتهدئة
وبالحديث عن أسباب ذهاب "إسرائيل" إلى إعلان تهدئة من طرف واحد، قال شبات: "إنّ دولة الاحتلال حاولت ألا تربط المقاومة الفلسطينية بين التهدئة والقدس، وبالتالي المخرج الوحيد لها ولرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أنّ لا تدفع ثمن استراتيجي؛ بذهابها لوقف إطلاق نار مقابل وقف إطلاق نار حتى لا يرتب عليها أيّ التزامات".
أما عن الوسائل المطلوبة لتثبيت وقف إطلاق النار، بيّن شبات، أنّ الجميع بات يُدرك عناوين التصعيد والتهدئة، مُتوقعاً أنّ يكون هناك اتفاقات شفوية من تحت الطاولة من الأمريكان لوقف إطلاق النار، وهو ما تحدث به الرئيس الأمريكي جو بايدن، بشأن الحفاظ على الوضع الديني في القدس.
الضغط العالمي والتهدئة بالقدس
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، علاء أبو عامر، أنّه حسب تهديدات الاحتلال، فإنّ قادة الفصائل في غزّة ما زالوا مطاردين ومعرضين للاغتيال، وإذا سنحت الفرصة سيقوم الاحتلال بذلك، ما يعني العودة إلى التصعيد مرةً أخرى، لافتاً إلى أنّ التوتر في حي الشيخ جراح لا زال على حاله قبل انتفاضة أيار، وبالتالي يُمكن أنّ تعود الأمور إلى التصعيد وهذا من باب الاحتمالات.
وتابع أبو عامر، في حديثه لوكالة "خبر": "بات من المؤكد وجود موقف أمريكي أوروبي صريح وواضح وقوي باتجاه وقف الممارسات الإسرائيلية في حي الشيخ جراح والأقصى"، مُشيراً إلى تصريح بايدن برفضه الممارسات الاحتلالية في الشيخ جراح.
ورجَّح صمود وقف إطلاق النار لمدة عام بدون شروط؛ ولكنّه سيبقى مفتوحًا على كل الاحتمالات وستبقى مصر وقطر الضامن الأول للاتفاق، مُبيّناً أنّ الدور المصري المتقدم في تحقيق وقف إطلاق النار؛ يُؤكّد استعادة مصر لدورها القومي في تبني واضح لسياسية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمواجهة الهجمة الاستعمارية ومواجهة تحالفات دول التطبيع ضدها.
وبشأن ماهية وقف إطلاق النار بدون شروط في ضوء ذهاب إسرائيل لوقف إطلاق من طرف واحد، اعتبر أنّ وقف إطلاق النار بدون شروط خطوة أولى بين المقاومة و"إسرائيل" من خلال الوسطاء أيّ وقف بين المتحاربين، مُعتقدًا وجود درجة ثانية من وقف إطلاق النار، وهي سياسية بوعود من الوسطاء؛ لوقف الإجراءات في مدينة القدس.
وفي ختام حديثه، توقع أبو عامر، أنّ تهدأ الأمور في مدينة القدس يومًا بعد يوم؛ وبالتالي الشعور بأنّ السياسية العالمية تجاه "إسرائيل" ستُحقق ما أرادته المقاومة وشعبنا في كافة أماكن تواجده؛ استجابةً لضغط غضب شعوب العالم الذي حاصر الاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.