فالج لا تعالج

مهداوي-وكالة-خبر
حجم الخط

أصبحنا نتعامل مع «الشلل» وكأنه المرض الدائم في الجسد الفلسطيني، وكأننا أصبحنا نسعى إلى وصول كافة مكونات هذا الجسد إلى «الشلل» حتى نضمن بأن وظائف الجسد جميعها متعايشة مع «الشلل»، وإذا ما نظرنا إلى النظام السياسي الفلسطيني فإننا نجده ليس فقط مشلولاً؛ وإنما في غرفة الإنعاش، ما يجعل أغلبية قيادة هذا النظام في حالة من الراحة والاستقرار على الصعيد الشخصي، غير مدركين بأنهم «الشلل» ذاته الذي لا يرونه بأعينهم، ولا يسمعونه من المجتمع/الشعب الذي يشكل القاعدة الأكبر لأي نظام سياسي.
والأخطر من هذا كله، هو تقبل الأغلبية المكونة للنظام السياسي هذه الحال بل والعمل على خلق نظريات وأيديولوجيات تتناسب مع «الشلل» بتبريرات عاجزة، تجعلني أفكر في هذا الشخص: هل هو عضو مجلس تشريعي... وهل تعلم معنى أن تكون عضواً في البرلمان؟ هل هو أمين عام فصيل/حزب... أم هو أمين فقط على ذاته ومصالحه؟! لماذا يحق له نقد الراحل ياسر عرفات ولا يسمح للموظفين بنقده وهو يدير هذه المؤسسة الأهلية أكثر من مدة حكم معمر القذافي لليبيا؟! 
نعم، علينا أن نعترف بأننا نعيش في أزمة نظام كان يمكن علاجها والآن هذه الأزمة أصبحت مطلباً لعيش العديد من الشخصيات لأنهم يعتاشون على الأزمة، أزمة متشابكة من أسفل لأعلى وبالعكس، وأيضاً أزمة بالعرض ما بين المؤسسات لخلق مؤسسات ومواقع خاصة بهم ولأحفادهم. 
بالتالي هم ذاتهم خلقوا أزمة تفاعل بين مكونات المؤسسات المختلفة المكونة للنظام السياسي ما بين كافة المؤسسات الحزبية، والحكومية، والنقابية والأهلية، والخاصة، حتى وصل البعض لمؤسسات العائلة، ما جعل الشعب _ المجتمع _ يعاني من شلل غيابه في قيادة الأزمات التي يتعرض لها _ ليس فقط الأزمة السياسية _ وكأنه في حالة شلل كامل للجسد، وبالتالي أصبحت وظيفته التنفس ضمن ما هو موجود دون أي دور لوظائفه الأخرى التي يجب أن يقوم بها.
لهذا كله أصبحت المنظومة الرئيسية التي تدير كل ذلك هي الولاءات الوهمية التي تكون أشبه بالسراب، من أجل تعزيز «شخص/فرد» معيّن وفق للمصالح وليس الكفاءات والخبرات ومدى الإنتاجية وإنما مقدار الولاء والإيمان بالعقيدة التي يتم تشكيلها إما من خلال فرد ما أو مجموعة أفراد يريدون الحفاظ على دائرة المصالح وتوسيعها.
ومن يجب أن يعارضوا ما يحدث أصبحوا يقبلون جوائز الترضية، بل يسعون لاهثين بحثاً عنها مع جاهزيتهم وموافقتهم بأن يصيبهم الشلل، هؤلاء كانوا في الماضي أشد أعداء السلطة وحركة فتح بالتحديد ويحفرون لها في كافة اجتماعاتهم ومقالاتهم ومقابلاتهم في الإعلام والمؤتمرات الدولية؛ والآن هم من يقودون زمام الأمر وكأنهم أصحاب المشروع منذ البداية وتناسوا أنهم من كانوا يثقبون السفينة كل حسب مكانه، حتى من ما زال معارضاً هو معارض فقط من أجل أن يقول أنا هنا .. ما زلت هنا... من باب «خالف تعرف» دون طرح بدائل عملية تجمع المبعثر وطرح بديل لحالة التشرذم والاستمرار في التدحرج إلى الهاوية.
وعند محادثتي لبعض الشخصيات في مواقع مختلفة لتلك المؤسسات، نقع في حالة استغراب متبادلة، هم يستغربون ما أتحدث به وكأني قادم من كوكب آخر، وأنا أستغرب استغرابهم وكأن الشعب عبارة عن أشباح، ويعيش هؤلاء «المستغربون» معنا نراهم ولا يشاهدوننا!! وهذا يؤكد أن البعض منسجم مع ذاته كونه «مشلولاً» ويرفض الاحتكاك بمجتمعه، لنصل إلى حالة من الغياب في التواصل وبالتالي انعكاس ذلك في البرامج والتوجهات لمختلف المؤسسات، وعدم تقديم بدائل ملموسة لحالة الشلل التام.
حتى المؤسسات التي يجب أن تكون مختلفة كونها تلعب دور المجتمع المدني أو المعارضة، أصبح الشلل متبادل معها كونها داخل هذا النظام السياسي، لهذا كان من المجدي لها ضخ دماء جديدة في هيئاتها وهياكلها التنظيمية والإدارية ومجالس الأمناء التي لا تستيقظ فقط عند وجود انتخابات داخلية!! دون أن تمنح لأبنائها وأعضائها هامش للتحرك والتجديد؛ والمخجل أنه يتم محاربتهم إذا ما حاولوا معاجلة الشلل والوقوف كأول حركة محاولين بعد ذلك السير على الأقدام غير مكترثين للشلل ومعالجين لآثاره، ليتم رميهم بتهم جاهزة مسبقة!! ما يؤدي إلى حالة عقم وتشرذم داخل كل مؤسسة وهذا ما يزيد الشلل القائم ويزيد حجم الهوة بين مكونات النظام السياسي والقاعدة الأساسية له.
ما هو الحل؟ ليخرج مصطلح سياسي « فالج لا تعالج» ... بمعنى أن الحال ميؤوس منها ولنبقي هذا الجسد المشلول فقط داخل غرفة الإنعاش، دون أية محاولة لعلاج ما يمكن علاجه، بالتالي يصبح لدينا حالات من التضخم الميؤوس منها، دون البحث عن استراتيجيات للمعالجة، تصميم سياسات، تطوير وتنمية أجهزة الرقابة التي أصبحت أيضاً ميؤوس منها من قبل الشعب وكأنها أصبحت أداة لتثبيت الشلل، فتح المجال للتداول السلمي للسلطة في كافة المؤسسات. يريدوننا أن نردد علاجهم السحري للوضع القائم.... فالج لا تعالج. 

للتواصل:
بريد الكترونيmehdawi78@yahoo.com
فيسبوك RamiMehdawiPage