تمنعنا تربيتنا واخلاقنا ان لا نرحب بضيوفنا ، حتى عندما تكون ارضنا محتلة و مدننا مستباحة وبيوتنا ليست بيوتنا ولكن… عرفت انك قادم الى منطقتنا كي تبحث في الصراع العربي الاسرائيلي الذي انتهى رسميا منذ زمن بعيد حين طلب زميلك كيسنجر من السادات القول ان حرب 1973 هي آخر الحروب ، هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية تطبيع اربع دول عربية دفعة واحدة علاقاتها مع اسرائيل ، ما عرف باتفاقية “ابراهيم” ، اما الناحية الثالثة ، فهي اتفاقية السلام مع الفلسطينيين التي وقعت في بيتكم الابيض والتي عرفت باتفاقية اوسلو .
ماذا ستبحث ايها الوزير، مما لم يبحثه اكثر من عشرين وزير خارجية امريكي جاءوا من قبلك ، منذ وليام روجرز عام 1969 ، بحثوا ومحصوا و وعدوا وأجلوا وهددوا وتجاهلوا حققوا ودققوا وتآمروا وغيروا وبدلوا ، دون ان يمنحونا استقلالنا وحقنا في تقرير مصيرنا كما تنص شرعتكم الدولية الكاذبة، آخرهم “بومبيو” الذي دشن مستعمرة “ترامب” في الجولان السوري المحتل ووافق على ضم الاغوار كلها لاسرائيل .
تأتي يا سيدي الوزير، وعلى لسانك لازمة “حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها” ، فماذا عن حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم، وقد احتلت هذه الاسرائيل ما تبقى من ارضهم عام 67، وعلى مدار هذه العقود، دافعوا عن انفسهم بالحجر قبالة البندقية والدبابة، وحين لم يجدِ هذا نفعا ، وازدادت اسرائيلكم صلفها بما تقدمونه لها من دعم مالي وعسكري واقتصادي ، استخدمت غزة صواريخها بعد ان شنت اسرائيل عليها اربعة حروب ابادية. فهمت انك لن تزورها ، وستكتفي برام الله ، لا بأس ، لكن غزة يا سيدي الوزير تخضع لحصار شامل منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة ، الا ترى انها من حقها ايضا الدفاع عن نفسها؟ قالها الفيلسوف الامريكي اليهودي نعوم تشومسكي ؛ ليست المشكلة في ان اسرائيل دولة عنصرية عدوانية محتلة ، لكن المشكلة انها ما زالت تظهر امام الملأ كدولة مظلومة ، في حين يظهر المظلومون الحقيقيون “الفلسطينيون” ارهابيون وظلَمة . لكن هذا سيتغير،هذا ما اضافه تشومسكي، وهذا ما نراه اليوم على ارض الواقع حتى في عقر شوارعكم .
ستقول لك الايام ، وهي ما زالت طويلة امامك كوزير لخارجية امريكا العاتية، أن الشيخ جراح ليست مسجدا او كنيسة او مقاما مقدسا كي يخرج الفلسطينيون من كل مكان للذود عنه من باب الانغلاق الديني، وان دهاءك السلبي من ان تقسّمنا الى معتدلين وارهابيين، وإن كان سيمر على بعضنا، فإنه لن يمر علينا، وان اسرائيل تمنع مليوني فلسطيني “اسرائيلي” كي يخرجوا للتضامن مع اخوتهم في القدس والشيخ جراح وتعتقل منهم المئات، لن ينجح ، وانك لا تزور غزة لمعاينة آثار الزلزال البشري الوحشي الهمجي الذي مر من هناك ، لأنك لا تحب ان تذكّرك أن بعضا من دماء أطفالها عالق على يديك .