محقة النقابات المهنية الأردنية وفي طليعتها نقابة المعلمين والمعلمات حينما ترفض المشاركة في أي عمل إحصائي يشير إلى كلمة «إسرائيل» كدلالة جغرافية أو سياسية أو خارطة دولة مجاورة، وهي محقة لأكثر من سبب، لا يتصل أبداً بالمناكفة أو برغبة المعارضة أو الاستدلال على المبدئية العقائدية اللفظية التي لا تحتمل التغيير أو التطوير، بل يعود موقفها المحق إلى أكثر من سبب جوهري يستدعي إعادة النظر بمجمل السياسة الرسمية الأردنية التي أدت إلى صيغة الاعتراف المتبادل بين بلدين أو دولتين أو شعبين، ذلك أن إسرائيل لم تلتزم مضموناً ووجاهة ومبدئياً بصيغة التعايش واحترام المصالح أو التحول نحو النزوع إلى السلام ومكافأة نظامي الحكم في الأردن ومصر، واحترام البرلمانيين المنتخبين الذين صوتوا لصالح الموافقة على معاهدتي السلام: كامب ديفيد ووادي عربة، اللتين توسلتا تغيير العلاقة القائمة على أساس الحرب والتوسع إلى صيغة التعايش وحسن الجوار، فالخلاف والصراع والتناقض في المصالح الوطنية والقومية والدينية العربية (المصرية الأردنية) في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، لم يكن عنوانها أو دوافعها جغرافية تتسع أو تضيق أو حدوداً يمكن تعديلها، بل حكمها ويحكمها الرغبة في تغيير المفاهيم والقيم والعلاقة من حالة حرب ونزوع نحو التوسع والعداء والعنصرية من قبل إسرائيل نحو العرب والمسلمين والمسيحيين وفي مقدمتهم وفي طليعتهم الشعب الفلسطيني، فالانحياز المصري الأردني العربي الإسلامي المسيحي للفلسطينيين ليست دوافعه شكلية إجرائية، بل دوافع مبدئية تراثية قيمية مبنية على العدل والتوازن والسلام والتعايش وحسن الجوار وهذا ما يفتقده المشروع الاستعماري التوسعي ولا يزال، قبل معاهدتي السلام المصرية الأردنية كامب ديفيد ووادي عربة ومن بعدهما، ولذلك فشل المشروع الاستعماري التوسعي في الحفاظ على زخم معاهدتي السلام، باتجاه اتفاق أوسلو الذي لم يحقق مراده وغايته في تعايش الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على الأرض الواحدة بعد أن فشل كل منهما على إنهاء الآخر وتصفيته، وبات لزاماً عليهما أن يختارا كيفية التعايش والتعامل مع بعضهما البعض، إما بخيار الدولة الديمقراطية الواحدة، دولة ثنائية القومية متعددة الديانات عبر تقاسم السلطة وفق إفرازات صناديق الاقتراع، أو تقاسم الأرض بدولتين متجاورتين تعيشان بأمن وسلام بدلاً من سياسة إسرائيل الحالية القائمة على ثلاثة مفاهيم وثلاث سياسات هي: 1- العنصرية في مناطق 48. 2- الاحتلال للقدس والضفة الفلسطينية. 3- الحرب والحصار على قطاع غزة. ولهذا أخطأ المفاوض الأردني لثلاثة أسباب تعود لما يلي: أولاً: لا تملك إسرائيل خارطة وجغرافيا محددة وحدوداً مرسومة مثل كل دول العالم، لا يوجد دولة في العالم لها مواصفات إسرائيل، بلا خارطة، بلا جغرافيا، بلا حدود، ولذلك تسرع المفاوض الأردني ومن قبله المفاوض المصري حينما قبلا بصيغة الاعتراف المتبادل بدون أن يقدم المفاوض الإسرائيلي خارطة لبلاده. ثانياً: أخطأ المفاوض الأردني جوهرياً حينما لم يشترط عودة النازحين أبناء الضفة والقدس وقطاع غزة إلى بلداتهم التي خرجوا منها عنوة، كما حصل مع أهالي قرى يالو وعمواس وبيت نوبا مثلاً، وأن يعودوا لبيوتهم وأراضيهم، ويستعيدوا هويتهم الفلسطينية على أرضهم ومن ثم من يرغب في الانتقال لأي سبب من الأسباب من فلسطين إلى الأردن للإقامة أو للعمل أو للدراسة، فينتقل مرحباً به ولكن مع هويته الفلسطينية التي تسمح له بالعودة والسفر إلى فلسطين حينما يشاء وكيفما يشاء ووقت ما يريد. ثالثاً: أخطأ المفاوض الأردني حينما لم يطلب رسمياً تراجع الكنيست الإسرائيلي عن قراره بضم القدس الشرقية الصادر يوم 20 حزيران 1980. لقد تخلى الأردن عن مسؤولياته القانونية والإدارية بقرار فك الارتباط، لصالح الشعب الفلسطيني وممثله منظمة التحرير ليعود لها التفاوض حول وقت وكيفية استعادتها وبالتالي لم يتنازل الأردن عنها لصالح ضمها للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، الذي لا يتوقف عن التوسع والضم التدريجي للأرض ولا يتوقف ولم يتوقف للآن، فالاستيطان والمستوطنات تتسع تدريجياً ويومياً، وسكانها الأجانب على أرض فلسطين لا سقف لعددهم أو لإقامتهم أو لمشاريعهم على أرض الفلسطينيين، الذي يعمل المشروع الاستعماري التوسعي على جعلها، أي جعل أرض الفلسطينيين طاردة لأهلها وشعبها وسكانها، وبالتالي سيكون الأردن قبلتهم مرغمين على ذلك، ولا خيار أمامنا سوى استقبالهم كلاجئين وكشعب شقيق وما يتطلبه ذلك من مسؤوليات ومشاكل ومتاعب أمنية واقتصادية وسكانية متفاقمة لا تحتمل، وسببها أيضاً سياساتها على جعل الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين. قرار النقابات المهنية الأردنية بمقاومة التطبيع صائبة، وقرار نقابة المعلمين برفض كلمة إسرائيل أكثر صواباً حتى يتم تغيير السياسة والعقلية الإسرائيلية التي فشلت وأفشلت التغييرات التي قادها إسحق رابين وسببت له الاغتيال والقتل على يد إسرائيلي متطرف وبتحريض مباشر من «الليكود» وشارون ونتنياهو في ذلك الوقت.