السفير منصور: "إسرائيل" فشلت في هزيمة الوعي الفلسطيني وتفكيك انتمائه الوطني واختزاله

السفير منصور
حجم الخط

نيويورك - وكالة خبر

أكد المراقب الدائم لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، السفير رياض منصور، على أن "إسرائيل" فشلت في هزيمة الوعي الفلسطيني وتفكيك انتمائه الوطني واختزاله، مشيرًا إلى أنه على مدار 73 عامًا وضعت أدهى السياسات، وتبنت أسوأ الممارسات، وهددت بأخطر الخطط، ونفذت أشد العقوبات.

وأضاف في كلمة ألقاها مساء الخميس في جلسة مجلس الأمن الخاصة بمناقشة الأوضاع الراهنة في فلسطين، أن "إسرائيل" دفعت بالموارد الهائلة بتغيير الواقع التاريخي والجغرافي والديني والديمغرافي لوطننا، ظنا منها أنه سياتي بعد ذلك جيل فلسطينيا، يقر بالهزيمة ويستسلم لها.

وتابع: لكن اليوم وبعد مرور ما يزيد عن أكثر من سبعين عام من النكبة، ينهار المخطط الاستيطاني الإسرائيلي أمام عنفوان جيل فلسطيني ناشئ، أكثر تشبثا بالوطن وتعلقا بالحياة، صانع للوحدة، ومؤمن بحتمية النصر، معللا ذلك بأن "إسرائيل" بات وجهها الاستعماري مكشوفا واصبحت حججها بالية، ولم يعد بإمكانها الاختباء، وراء ردات فعلها الهجومية، فهناك ايضا جيل عالمي لا يهاب اسرائيل ولا يأبه بتعديلاتها.

وتساءل السفير منصور: كيف يمكن لـ"إسرائيل" ان تخفي نظام الفصل العنصري الذي يلتهم فلسطين؟ وكيف ستبرر حق العودة لليهود بعد مرور 5000 سنة وتنكر حق عودة الفلسطينيين الى بيوتهم بعد 70 عاما؟ وكيف ستبرر التهجير القسري بالشيخ جراح وسلوان؟ وكيف ستبرر قانون القومية العنصري الذي منح الحقوق لليهود وتنكره للفلسطينيين؟ كيف ستبرر سرقة المياه؟ كيف ستبرر العنف والتخريب ضد المقدسات المسيحية والاسلامية؟ كيف ستبرر ان قوة الاحتلال لها الحق المطلق فيما تسميه الدفاع عن النفس، وتحاسب كل فلسطيني يمارس حقه الديني، ودفاعه عن الارض؟  كيف ستبرر أنها تطالب العالم بالدفاع عن أطفالهم في وقت تقتل فيه أطفالنا؟

وفيما يلي نص الكلمة:

لقد فشلت "إسرائيل" في هزيمة الوعي الفلسطيني وتفكيك انتمائه الوطني واختزاله. فعلى مدار٧٣ عاما، وضعت أدهى السياسات وتبنت أبشع الممارسات وهددت بأخطر الخطط ونفذت أشد العقوبات، ودفعت بالموارد الهائلة لتغيير الواقع التاريخي والجغرافي والديموغرافي لوطننا، ظناً منها أن بعد ذلك كله سيأتي جيل فلسطيني يقر بالهزيمة ويستسلم لها. ولكن اليوم وبعد مرور ما يزيد عن سبعين عاما من النكبة، ينهار المخطط الإسرائيلي أمام عنفوان جيل فلسطيني ناشئ، أكثر تشبثا بالوطن وتعلقاً بالحياة، صانعاً للوحدة ومؤمناً بحتمية النصر. إننا جيلا بعد جيل لم نر سوى فلسطين التي نحمل لون ترابها، لأنه بكل بساطة لا بديل عن الحق والحرية، ولا دوام للاحتلال مهما تفوقت ترسانته الحربية وتكنولوجياته العسكرية، ومهما عتا مكره الاستعماري.  

لقد فشلت "إسرائيل" في تضليل وعي شعوب العالم، وبات وجهها الاستعماري العنصري مكشوف، وأصبحت حججها بالية، ولم يعد بإمكانها الاختباء وراء ردات فعلها الهجومية بتوجيه التهم الجاهزة لمن يجرؤ على انتقاد احتلالها ويطالبها بانهائه، ولمن يعلن تضامنه مع فلسطين وقضيتها العادلة، فهناك أيضا جيلا عالميا لا يهاب "إسرائيل" ولا يأبه بتهديداتها.  

فكيف يمكن لـ"إسرائيل" بعد اليوم أن تُخفي نظام الفصل العنصري الذي تفرضه وملامحه تسطع في كل مكان من البحر إلى النهر، كيف ستبرر ما تسميه "حق العودة" لليهود بعد مرور خمسة آلاف سنة، وتنكر حق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم وديارهم بعد مرور ٧٣ عاما، كيف ستبرر التهجير القسري في الشيخ جراح وسلوان وتدعي أنها كانت ملكا لليهود يوما ماً وهي تنكر ملكية الفلسطينيين في كل فلسطين التاريخية، كيف ستبرر قانون القومية العنصري الذي يمنح الحقوق لليهود وينكرها على الفلسطينيين، كيف ستبرر هدم بيوتنا وتدمير ممتلكاتنا وتجريف حقولنا وسرقة مياهنا وسبل عيشنا، وفي المقابل تدعي "حقها" في بناء المستوطنات على أرضنا والحواجز والجدار على طريقنا، كيف ستبرر العنف والتخريب والتحريض ضد مقدساتنا المسيحية والإسلامية وتدعي أن استعمارها ما هو إلا حق ديني عقائدي، وتطالب باسترجاع جثامين قتلاها وهي تدفن مئات الشهداء الفلسطينيين في مقابر الأرقام وتحتجز جثامينهم فريسة صقيع الثلاجات وتحرم ذويهم من دفنهم بشكل كريم.   

كيف ستبرر أن قوة الاحتلال لها الحق المطلق فيما تسميه الدفاع عن النفس، وتجرم كل فلسطيني يدافع عن بيته وعائلته وأرضه في مواجهة الحصار واعتداءات الجيش وإرهاب المستوطنين، كيف ستبرر أن محاكمها تبرئ الإسرائيلي مهما كانت جريمته، وتدين الفلسطيني مهما كان حقه، وكيف ستبرر أنها تطالب العالم بالتعاطف مع أطفالها في الملاجئ وتستهجن إدانة خطفها لأطفالنا من بيوتهم ومدارسهم وقنصهم في حاراتهم وملاعبهم، وقتلهم نياما في أحضان أمهاتهم وآبائهم، كيف ستبرر هذا كله ومن سيصدقها بعد هذا كله!  

السيد الرئيس،

ألم تأتيكم التقارير الأممية كلها محذرة من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة؟ وأن الحياة هناك على حافة الانهيار، وتنذر بتجدد العنف بسبب الحصار الذي تفرضه "إسرائيل" على مدار١٥ عاما، ألم يثر الشباب الفلسطيني هناك في مسيرات العودة الكبرى لمدة عام كامل مطالبين بحقوقهم ورفع الحصار الإسرائيلي الجائر الذي وصفه كافة الخبراء الأمميين بأنه مناف للقانون الدولي وأنه بمثابة عقاب جماعي على الفلسطينيين في غزة؟ 

ألم نأتيكم مراراً محذرين من مغبة مساس "إسرائيل" بالقدس المحتلة ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، واستمرار استفزازاتها في الحرم الشريف، ومن استمرار سياسة التهجير القسري في البلدة القديمة وحي الشيخ جراح وسلوان وفي كل فلسطين؟  

ألم تأتيكم "إسرائيل" دوما بتعنت وتصلف المحتل المستبد؟ مشرعة في وجهكم تهمة معاداة السامية؟ تُبرر كل انتهاكاتها الصارخة وكأنها تحظى باستثناء يضعها فوق القانون، تهاجم كل من يطالبها بوقف بناء المستوطنات في الضفة، واحترام الوضع القانوني للقدس، واحترام الوضع التاريخي القائم في الحرم الشريف، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وتتهرب بلا خجل من التزاماتها القانونية ومسؤولياتها كسلطة قائمة بالاحتلال؟ 

إن تدهور الأوضاع في دولة فلسطين المحتلة، وخاصة ما حدث مؤخرا في القدس وفي قطاع غزة، هو من صنيع "إسرائيل"، هو نتيجة حتمية لسياساتها القمعية واحتلالها الاستعماري. 

واليوم نقول لمجلسكم الموقر، إن وقف العدوان الإسرائيلي على غزة لم يُنه الكارثة، وأنه لم يُعِد الشهداء ولم يُعد البيوت، لم يُنج الأيتام من اليتم ولم يعوض الثكالى عن الفقد. كما أن تأجيل قرار المحكمة الإسرائيلية بشأن التهجير القسري في الشيخ جراح وسلوان لم يحمي العائلات من بطش المستعمرين ولم يُنه مأساة القدس المحتلة، ولم يوقف الاستفزازات الإسرائيلية في المسجد الأقصى ولم يوقف تغيير طابع المدينة، وذلك كله لم يوقف شراهة "إسرائيل" بضم المزيد من الأرض الفلسطينية المحتلة، وتهجير الفلسطينيين والتضييق عليهم وعلى حريتهم في أرضهم.  

اليوم نقف جميعا على مفترق طرق، إن تُرك الأمر لـ"إسرائيل" فإنها حتما ستختار ذات الطريق ونفس النهج، ستختار أن تفرض علينا الابرتهايد والضم والحصار والدمار، وتطالب هي بالأمن والاستقرار، فهي لا تقر بفشل سياساتها الاستعمارية العنصرية، مصدر العنف وأساس الصراع.  

ونحن الفلسطينيون لن نركع. لن نستسلم لهذا الاحتلال اليائس. وهذا ما على "إسرائيل" أن تدركه، هذا هو الواقع الذي يجب على "إسرائيل" مواجهته، أن الشعب الفلسطيني بكباره وصغاره ونسائه وشيوخه، لن يركع، وسيبقى طالبا للحرية والاستقلال وحقه في تقرير المصير أينما وجد. ونحن لن نقبل إلا بالطريق التي تؤدي إلى حرية شعبنا وتصون كرامته الوطنية والإنسانية وتضمن له حقوقه كاملة كما نصت عليها الشرائع الدولية.  

أما بالنسبة لمجلسكم والمجتمع الدولي، لقد حددتم الرؤية الدولية للسلام منذ عقود، واشتملت قراراتكم على مرجعيات وأسس الحل، كما حددتم واجبات الأطراف وواجبات الدول بعدم الاعتراف بالأعمال غير الشرعية، وعدم منح مرتكبيها أي شكل من أشكال الدعم وضرورة التمييز ما بين الأرض المحتلة ودولة الاحتلال، واحترام وضمان احترام القانون الدولي. وعليكم الآن تنفيذ هذه القرارات وإنجاز السلام العادل والشامل، كما هو منصوص عليه في قرارات مجلس الأمن، بما في ذلك القرار ٢٣٣٤.  

لقد حافظتم على الإجماع الدولي ووقفتم سدا منيعا ضد كل محاولات شرعنة الاحتلال والاستعمار وتحريف مرجعيات الحل، ومع رحيل إدارة ترامب والأوهام التي كانت تسوقها وعودة الولايات المتحدة إلى الاجماع الدولي وإعادة تفعيل الرباعية الدولية، لا يكفي التأكيد على ما نص عليه القانون الدولي، وواجبكم هو العمل على تنفيذه وليس مطالبتنا بالصبر، لأن كل ساعة تحمل معها المزيد من الآلام والدماء. إلى متى تريدون أن نصبر؟ لحين تكرار المجزرة؟ أو حتى يكبر الطفل في زنازين الاحتلال، أو تُهجر العائلة للمرة الثالثة والرابعة، أو تتوسع المستوطنة وتغلق شرايين الحياة في القدس والأغوار، أو إلى حين يكبر جيل بأكمله لم يعرف من الحياة إلا الحصار والحرمان؟ 

السيد الرئيس، 

 تجري معركة الوجود في فلسطين وفي قلبها القدس على أرض الواقع، بيتاً بيتاً، وفي أزقة البلدة القديمة وفي أقصانا وقيامتنا وعلى كل تلة وفي كل حي وقرية ومخيم. ولن يتحقق السلام في مدينة السلام إلا بالاعتراف بالسيادة الفلسطينية واحترام الوصاية الهاشمية. ومسؤوليتكم ليست فقط تبني القرارات هنا بل تغيير الواقع هناك، حماية الفلسطيني هناك، الانتصار للحرية هناك وتحقيق السلام هناك.  

إن إعادة إعمار قطاع غزة المحاصر أولوية قصوى وتقديم المساعدة الصحية والإنسانية العاجلة للنازحين يجب أن تتم بشكل فوري، خاصة في ظل الجائحة العالمية. ولكن أنتم ونحن ندرك جيدا أن الحل في قطاع غزة يجب أن يكون جذريا ومنسجم مع وحدة الشعب والأرض والمصير ويقضى إلى رفع الحصار الإسرائيلي بشكل كامل عن قطاع غزة والسماح بحركة الأشخاص والبضائع بشكل يضمن إنعاش الحياة الاقتصادية، ودخول الوقود والمعدات الطبية والأدوية ومواد البناء وتشغيل محطة الكهرباء بشكل مستدام، مما ينهي المعاناة والمأساة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة منذ ١٥عاما، بشكل يسمح لكل الطاقات والكفاءات الشبابية في غزة الوصول إلى أقصى قدراتهم في العمل والإبداع. 

السيد الرئيس،  

أثبتت الأسابيع الماضية ادعاء "إسرائيل" بأن قضية فلسطين خرجت من الوجدان العربي والإسلامي والدولي وأنها أصبحت قضية هامشية هو ادعاء باطل وكاذب. فلسطين هي القضية التي لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها لا إقليميا ولا دوليا. وإذ نشيد بكل الجهود الاقليمية والدولية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ولإطلاق عملية سياسية جدية تضع قضية فلسطين، قضية الشرق الأوسط، في أعلى سلم الأولويات، نعيد ونؤكد على أن نجاح العملية السياسية مرهون بوقف العدوان على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا وبقدرة مجلسكم على تنفيذ قرارته وعلى قدرة المجتمع الدولي أن يلفظ ازدواجية المعايير، وأن يفرض احترام القواعد الدولية التي تبناها وكرسها في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقرارات الأممية.  

السيد الرئيس،  

نحن الشعب الفلسطيني شعب حي، رغم كل القتل والدمار، حي بتاريخه وفكره وتراثه، وحضارته، وثقافته وشعره وأحلامه وإبداعه وشجاعته وتعدديته وحبه وغضبه وتسامحه ووطنيته وإنسانيته، نحن شعب يشبه أرضه وينتمي لها ولا يتخلى عنها، إما يسكنها أو تسكنه، جيلا ثائرا وراء جيل…كأننا عشرون مستحيل. هنا في فلسطين لنا ماض وحاضر ومستقبل. 

شاء من شاء وأبى من أبى.