عكست زيارة رئيس المخابرات المصرية، الوزير عباس كامل، إلى غزّة بعد تل أبيب، تدشين مرحلة جديدة في التعامل مع قطاع غزّة بعد سنوات من التهميش والتضييق نظرًا للخلاف مع حركة حماس التي تعتبر امتداداً لتنظيم الإخوان المسلمين المحظور في مصر.
تاريخيًا يوجد ثأر مصري ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ بسقوط عشرات بل مئات الشهداء على أرض فلسطين خلال حروبها مع "إسرائيل" بدءً من حرب 1948 ونكسة 1967 وليس انتهاءً بحرب أكتوبر 1973م، الأمر الذي يُفسر أنّ عقيدة الجيش المصري موجهة للعداء ضد دولة الاحتلال.
الدور المصري
الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، رأى أنّ الدور المصري أخذ أبعادًا دولية وإقليمية، ويُمكن اعتباره تكليف وتوكيل مصر بملف التهدئة وما يدور حوله وصولاً إلى تهيئة الظروف لفتح المسار السياسي، لافتاً إلى أنّ دور مصر مركزياً في الإقليم بالدرجة الأولى.
ولفت عوكل في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، إلى أنّ الاختلاف عن السابق يتمثل في أمرين، الأول هو شامل كل الدولة المصرية، حيث إنّه في السابق كان التدخل يقتصر على الدور الأمني، بمعنى الممسكين بالملف الأمني هم من يقوموا بدور الوسيط.
وأضاف: "لكنّ اليوم حتى المستوى الأمني ارتفع إلى مستوى وزير المخابرات، والملف يأخذ أبعاد سياسية ابتداءً من الرئيس عبد الفتاح السيسي ومرورًا بالخارجية وأجهزة الدولة وشيخ الأزهر والمستوى الشعبي أيضًا".
وتابع: "يوجد موقف مصري مختلف من حيث الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني؛ لأنّه مُنذ فترة طويلة مصر لم تتدخل مباشرة في موضوع إعادة الإعمار وتقديم هذ المؤشرات من المساعدات".
وأردف: "تجلى ذلك بفتح معبر رفح واستقبال المرضى، وإرسال قوافل مساعدات غذائية، وتصريحات الأزهر الشريف التي أكّدت على أنّ حائط البراق أرض وقف إسلامي ولا علاقة له بالكذبة الإسرائيلية بأنّه حائط مبكي".
وأكمل: "بالأمس أيضاً تم وضع حجر الأساس لمشاريع ستقوم بها مصر، مما يدل على علاقة وثيقة ومرنة مع الفلسطينيين في غزّة".
المصريين فرحين بفصائل المقاومة
وبالحديث عن إرجاع أسباب التغيير في الموقف المصري، للسقف المرتفع الذي فرضه أداء الفصائل خلال الحرب الأخيرة على غزّة، قال عوكل: "إنّ مصر دولة عميقة لا يُمكن أنّ تكون قد تفاجأت بما حدث؛ لأنّها تاريخيًا أكبر دولة قدَّمت قوائم من الشهداء والجرحى والأسرى في الحروب الإسرائيلية، وبالتالي حالة الثأر موجودة وعميقة".
وأردف: "إسرائيل تُدير سياسيات خطرة على مصر، من حيث مسألة سد النهضة وموضوع أمن البحر الأحمر وتحويل التجارة مع دول الخليج باتجاه الموانئ الإسرائيلية مباشرةً"، لافتاً إلى أنّ الدور "الإسرائيلي" يتآمر على مصر.
واستدرك: "يُمكن استنتاج أنّ المصريين فرحين بفصائل المقاومة التي دكت تل أبيب، وثانيًا انتهت الحرب ضد الإرهاب في سيناء ولم تعد الاتهامات موجودة، كما أنّ حركة حماس تعاملت بإيجابية مع كل المبادرات المصرية وبمصداقية".
واستطرد: "هناك إدراك أوسع بالمعنى السياسي لحماس، وبالتالي لا يوجد أيّ خطر وضرورة للتعامل معها كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين".
أما عن الدور الإسرائيلي في أزمة سد النهضة، قال عوكل: "إنّ إسرائيل مُذ خمسين عامًا تُطلق تصريحات بأنّ الحروب القادمة هي حروب مياه"، لافتًا إلى أنّ هذه الحروب ذات أبعاد خطيرة على الأمن القومي المصري، وقد عمِلَت "إسرائيل" على محاربة مصر قبل ملف سد النهضة بأثيوبيا وذلك في السودان من خلال تقسيمه.
صيغة جامعة للكل الفلسطيني
وبالحديث عن تعزيز العدوان الأخير التمثيل السياسي لحماس من خلال الرعاية المصرية لملف التهدئة، قال عوكل: "إنّ الأمر يحتاج لشيء من التوازن، فحركتا حماس والجهاد الإسلامي موجودتان على الأرض وقويتان وهم جزء فاعل من النسيج الاجتماعي".
وأكمل حديثه: "بالتالي لا يمكن أنّ يتم ترجيح طرف على آخر، أما الشرعية موجودة في رام الله؛ لكنّها في ظل الانقسام لم تنجح في تجاوز الاعتراض الإسرائيلي الذي دائما يدعي عدم وجود شريك فلسطيني".
وتابع: "لا بد من إيجاد صيغة خاصة تجمع الأطراف الفلسطينية ضمن إطار موحد؛ حتى وإنّ لم يتم إتمام ملف الانتخابات"، مُشيراً إلى أنّ المجتمع الدولي يُريد ذلك ويطلب من مصر تحقيقه.