نشطت خلال وبعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزه، دعوات وحملات من أجل مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، والتي سوف تصب أن تمت في صالح الإقبال على المنتجات الوطنية أو المحلية وبالتالي توفير الدعم لإنتاجها أو تصنيعها وتسويقها، وما يجر ذلك من دعم وتنشيط للاقتصاد الوطني، سواء من خلال زيادة الأيادي العاملة في الصناعة الوطنية وتقليل نسب البطالة، أو من خلال زيادة عوائد الضريبة للخزينة، أو الأرباح والدعم للصناعة نفسها وبالتالي تحسين الإنتاج نوعيا وكميا وزيادة التصدير الى الخارج، وبالإضافة الى ذلك الابتعاد عن منتجات إسرائيلية وما الى ذلك من آثار اقتصادية وسياسية ونفسية.
وهذه الحملات ومع إيجابياتها وأهمية توفير كل أنواع الدعم لها، إلا أنها وللأسف وكما اعتدنا عليها أو عايشناها خلال المرات السابقة، تكون موسمية، أو مؤقتة، تأتي كأحد ردود الفعل العاطفية السريعة على أحداث أو مواقف أو تطورات معينة، ينعكس الغضب والاحتجاج عليها على شكل دعوات أو حملات، ومع الحماس مع هذه الدعوات يقبل الناس عليها، ولكن بعد فتره معينة تخبو أو تنخفض وتيرتها، ويعود الوضع الى مكان عليه قبل الحدث أو الموقف، وتعود رفوف المحلات والمتاجر تعج بالمنتجات الإسرائيلية وبالتالي إقبال الناس عليها كما كان قبل الحدث.
ولذلك فإن ما نحتاج إليه في هذا الصدد هو استدامة أو تواصل هذه الحملات أو أن تبدأ وتبقى وتستمر هذه الحملات وتصبح أمرا طبيعيا في حياة الناس أو في ممارساتهم التجارية، سواء للتاجر أو المستورد أو المستهلك، ولكي يتم ذلك أي يصبح الإقبال على المنتج الوطني أمرا روتينيا، فإننا نحتاج الى أكثر من ردود فعل عاطفية على أحداث معينة مثل العدوان الأخير على قطاع غزة، ونحتاج الى قناعة التاجر والمستهلك والمواطن بجدوى ذلك، ونحتاج الى خطة وطنية متكاملة تهتم بالمنتج الوطني من حيث الجودة والسلامة والفائدة كبديل للمنتج الأجنبي أو الإسرائيلي، والى خطة تسويقية تقنع المواطن أو المستهلك بذلك.
ونحتاج كذلك الى وجود مرجعية او إطار وطني شامل يقف وراء حملات المقاطعة ينسق الخطوات، ويدرس الظروف والبدائل، ويحدد المعيقات والمشاكل، ويعمل على وضع الأسس الموضوعية لضمان استمرارها، او امتدادها، وهذا الإطار من المفترض ان يعمل على أرضية الفوائد او الإيجابيات التي يمكن ان تؤدي إليها مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، سواء على صعيد الفرد، أي المستهلك الفلسطيني، او التاجر او القطاع الخاص او القطاع العام، او حتى على صعيد الاقتصاد بشكل عام، من إنتاج وتشغيل وبطالة وتصدير وما الى ذلك.
ونحتاج الى التوجه وبشكل مباشر الى المستهلك او المواطن الفلسطيني، والذي هو اللبنة الأساسية لنجاح هذه الحملات، كما هو كان وسوف يكون حجر الأساس لنجاح حملات أخرى في الماضي او في المستقبل، هذا المواطن، من المفترض ان يتم التواصل معه وبشكل فعال، سواء من اجل توعيته او إقناعه بأهمية وبفوائد هذه الحملات، وبأن يتم التبيان له بأهمية المقاطعة من النواحي المختلفة، أو حتى إرشاده للبدائل المتوفرة، تلك البدائل التي هو في حاجة إليها، أي البدائل التي يتم تصنيعها محليا، سواء أكانت منتجات غذائية او دوائية او مستحضرات تجميل او مواد بناء وإنشاءات او خضار او فواكه وما الى ذلك.
وهناك أهمية الى التواصل مع التاجر او المستورد من الجانب الإسرائيلي، الذين من المفترض ان يتم التواصل معهم او الوصول اليهم، سواء من خلال مبادري او منسقي او ناشطي الحملات او من خلال ممثليهم، وبالتالي وأسوة بالمستهلك، بأن يتم إرشادهم او التبيان للتجار والمستوردين بأهمية حملات المقاطعة، وكذلك إعلامهم بوجود البدائل التي تتمتع بالجودة والسلامة والسعر المناسب، والذي يمكنهم من إحضارها وعرضها في محلاتهم ومن ثم بيعها الى المستهلك او الزبون، الذي اعتاد على ان يتعامل معهم.
وإذا حدث وان قمت بزيارة الى محلات تجارية في إحدى المدن او القرى الفلسطينية، فستجد بضائع إسرائيلية من أنواع مختلفة، وإذا سألت التجار او الموردين عن ذلك فسوف تكون الإجابة بعدم وجود بدائل، او بضعف الجودة، او باستمرارية طلب المستهلك للبضائع الإسرائيلية، او حتى بعدم اقتناع التاجر بجدوى او فعالية او أهمية حملات المقاطعة.
ونحتاج كذلك الى الاهتمام بالمنتج الوطني، او المنتج البديل للمنتج الإسرائيلي، والذي ولكي ينجح كبديل، ومن ثم يبقى او يستديم كبديل للمنتج الإسرائيلي، من المفترض ان يكون ذلك على أسس صحيحة، واهمها التركيز على الجودة او النوعية، أي كفاءة وفائدة المنتج أسوة بالمنتجات الإسرائيلية، وبالإضافة الى الجودة او النوعية، التركيز كذلك على سلامة او على أمان او على عدم خطورة المنتج الوطني، ولتحقيق ذلك كان من المفترض العمل المتواصل من قبل الجهات المعنية، لترسيخ هاتين الصفتين للمنتج الوطني، أي الجودة والسلامة، في أذهان المستهلك الفلسطيني، والتاجر الفلسطيني والمنتج وصاحب القرار.
ومن الأدوار المهمة كذلك، هو دور المؤسسات او الجهات او الدوائر الرسمية، أي دوائر القطاع العام، او دوائر السلطة، والتي هي من ضمن القطاعات الحيوية لنجاح حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، تلك الجهات التي من المفترض ان تساند او ان تدعم وتواكب قرار المقاطعة، ومن ثم توفر له الغطاء السياسي والقانوني والعملياتي، وتلك الجهات هي التي تراقب وتفتش وتوفر الآلية اللازمة للمتابعة، وهي الجهات التي تمنح التراخيص وتراقب وتضبط المعابر وتتأكد من الالتزام بالمواصفات والشروط.
وهناك مؤسسات او اتحادات او اطر او تجمعات القطاع الخاص بتنوعاته، وبكافة امتداداته، القطاع الخاص الفلسطيني الذي يستورد ويوزع ويبيع المنتجات الإسرائيلية، سواء أكانت منتجات غذائية او أدوية او مواد بناء وإنشاءات او حتى فيما يتعلق بالخدمات والتكنولوجيا وما الى ذلك، وهو كذلك القطاع، الذي يتم التعويل عليه بأن ينتج او بأن يستطيع ان يوفر البدائل الوطنية وبالجودة وبالأمان اللازمين وبالسرعة والفعالية المطلوبتين، في حال اختفاء المنتجات الإسرائيلية من الأسواق الفلسطينية.
وهناك الحاجة الى حماية المستهلك من خلال تحسين جودة المنتجات البديلة في الإطار القانوني او التشريعي، والذي يتطلب وجود مواصفات فلسطينية، يتم تطبيقها والالتزام بها، مواصفات تلبي متطلبات وحاجات المستهلك الفلسطيني، وكذلك تحدد مقومات الجودة للمنتج، وتضمن بأن يتمتع بالسلامة والأمان، سواء أكانت مواصفات تحدد وبوضوح نوعية وتراكيز مكونات المنتج، او تحدد آلية إنتاجه، او تصف طريقة إيصاله بالجودة والسلامة الى المستهلك او الى التاجر، وتلك التي تصف آلية الفحوصات وتوثيقها وآلية المتابعة والتفتيش وآلية او إجراءات الردع وتطبيق القوانين في حال عدم الالتزام، وما الى ذلك من تفاصيل.
ومن الأمور المهمة والتي يتم تجاهلها خلال هذه الحملات، هو موضوع الأسعار، او التلاعب بالأسعار، وبدون رقابة او أخذ الاعتبار لوجود رقابة، سواء من حيث رفعها، او ربما تخفيضها وإغراق السوق بمنتجات إسرائيلية بأسعار رخيصة لإبعاد المستهلك عن المنتجات الوطنية، كما يبدو انه حدث في حالات معينة في الماضي، من خلال إغراق السوق الفلسطينية بالخضار والفواكه الإسرائيلية، والادعاء انه لا يوجد بديل او كمية كافية من الإنتاج الوطني المشابه، وبالتالي من المفترض ان تعمل الجهات الرسمية والشعبية وبحزم في هذا الصدد لكي لا تحدث عملية إغراق الأسواق وبمنتجات إسرائيلية مختلفة، ومن المفترض ان يتم التعامل بشدة مع من يتحايل على حملات المقاطعة من خلال هذه الوسائل.
ولكي تتواصل حملات دعم المنتجات الوطنية فعلى وسائل الإعلام أن تتبنى ذلك وعن قناعة، وكذلك من اجل ترسيخ ثقافة حماية المستهلك وفي بناء خطوط التواصل معه، سواء من خلال عملية صياغة او تحرير الأنباء التي تصله حول سير عملية المقاطعة، او حول اكتشاف وإتلاف المواد الفاسدة من أغذية وأدوية، او التلاعب بالأسعار، او وجود البدائل، او تلك المعلومات التي يحصل عليها بشكل مباشر، وهذا يشمل الصحف المحلية والإذاعات والتلفزيون، والاهم العديد من المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت الأكثر شيوعا هذه الأيام.
وبالتالي ومن اجل الحفاظ على استدامة حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، من المفترض ان تعمل كافة الأطراف ذات العلاقة، سواء أكانت جهات رسمية او مؤسسات شعبية، الى تشكيل إطار يضم خبراء ومختصين وناشطين، يعمل على وضع أسس موضوعية، تكفل الاستمرار والاستدامة والتوسع في حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وبأن تشمل هذه الأسس توفير البدائل، والتركيز على جودة المنتجات المحلية، ومراقبة الأسعار، وإعطاء الأفضلية للمنتج الوطني، وإجراء الفحوصات المخبرية، والتركيز على مواصفات وطنية تحمي المنتج المحلي، وكذلك تفعيل التواصل مع المستهلك ومع التاجر ومع المورد او المستورد.