مؤشّرات أزمة غير مسبوقة للمشروع

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

بقلم: طلال عوكل

يقترب الوقت أكثر فأكثر، حين يكتشف مؤسسو المشروع الصهيوني والداعمون له، أن هذا المشروع قد أصبح عبئاً، وأنه يفقد أهميته بالنسبة للمصالح الاستراتيجية العالمية، وأن عليهم أن يعيدوا النظر، في كيفية تحقيق مصالحهم في هذه المنطقة الاستراتيجية.
إسرائيل التي تبدو بأنها قلعة محصّنة، وقادرة على إخضاع المنطقة، والتوسع فيها شرقاً وغرباً، تعيش أزمة مركبة تضرب في عمق وجذور المشروع، الذي أنشأ دولة، يرتفع فوقها أكثر فأكثر سؤال الوجود والعمر الافتراضي، حتى من قبل نخب إسرائيلية يهودية.
وسيتضح التناقض الصارخ بين إمكانية الجمع بين ثلاثة مركبات أساسية هي العنصرية والاحتلال والديمقراطية، ما ينسف كل مبررات الولايات المتحدة التي تتبنى شعار الدولة اليهودية الديمقراطية، حتى في حال تحقيق رؤية الدولتين، وإن كان هذا الاحتمال قد أصبح بعيد المنال.
في إسرائيل كما في الولايات المتحدة، يجري التركيز على أولوية أن تحظى الدولة العبرية بالأمن، والمقصود هنا بالأمن، هو أن تحصل إسرائيل كل الوقت على ما يكفي ويتطلب من أسلحة الدمار الشامل التي تتفوق من خلالها على دول المنطقة. تخالف هذه العقيدة حول الأمن، كل النظريات، التي ترى في السلاح، عنصراً من جملة عناصر، لا بد من توفرها، وهي لا تتوفر لإسرائيل حتى تحافظ على أمنها.
لقد امتلكت ألمانيا النازية وحلفاؤها كمية ضخمة من أسلحة الدمار استندت إلى تجنيد كامل للمجتمع في إنتاج المزيد منها لتغذية متطلبات الحرب لكنها سقطت سقوطاً مروعاً.
روسيا اليوم تمتلك مخزوناً ضخماً يوازي وربما يتفوق على ما تملكه الولايات المتحدة في مجال الرؤوس النووية، ولكنها لا تضاهي أميركا والصين وحتى ألمانيا واليابان، بسبب ضعف اقتصادها، ما يعني أن السلاح ليس كل شيء في معادلة الأمن الشامل.
إسرائيل تتفكك، ومن أبرز مظاهر هذا التفكك، العنصرية الداخلية، واستمرار الاحتلال، ومعاندتها للقرارات والقوانين الدولية، وفظاظتها في التعامل مع حلفائها التاريخيين، والصراعات الداخلية بين مجتمعات مختلفة في القدس، والاستيطان في الضفة، والمجتمع الموجود في أراضي 1948.
البعد الاستغلالي الشخصي في السياسة الإسرائيلية، يبدو فاجراً إلى الحد، الذي يخضع حالة المجتمع، لطموحات شخصية، يمكن أن تتجاوز الكثير من الضوابط من أجل ذلك. نتنياهو المعلم هو الذي كرس هذه المدرسة، إلى الحد الذي يجعل عديد رؤساء الأحزاب حتى الصغيرة منها يخوض معارك طاحنة من أجل إبعاده عن السلطة، وإشغال المنصب.
ما الذي يجعل حزباً صغيراً مثل «يمينا» بقيادة نفتالي بينيت مرشحاً لرئاسة حكومة التغيير خلال السنتين الأوليين من عمر الحكومة الافتراضي ـ وما الذي يجعل جدعون ساعر، وأفيغدور ليبرمان يتجندان من أجل إزاحة الامبراطور حتى تتاح لهما ولو في لاحق الأيام والسنين فرصة اصطياد المنصب؟
أيام قليلة، يتخللها صراع قوي، حتى ينجح تحالف التغيير أو يفشل في إزاحة نتنياهو الذي لا يتورع عن استخدام أسوأ وأبشع الأساليب لمنع المناوئين من إسقاطه.
كان نتنياهو يقود معسكر اليمين واليمين المتطرف، لفترة ليست قصيرة لكن هذا المعسكر قد تفكك، وتفكك معه الليكود، وهو في طريقه إلى مزيد من التفكك، فثمة من يرى في الليكود أن نتنياهو أصبح عبئاً عليه، وينبغي التخلص منه.
يجتمع اليمين المتطرف الاستيطاني واليمين مع ما يسمى الوسط واليسار لتحقيق هدف واحد وهو إسقاط نتنياهو، وهم يعرفون أن هذه التوليفة من الأحزاب لا يمكن أن تشكل حكومة مستقرة، بسبب اتساع وطبيعة الخلافات السياسية والبرامجية.
السيناريو الوحيد المتاح، أمام الطبقة السياسية، هو الذهاب إلى انتخابات خامسة، فلا حكومة تصريف الأعمال برئاسة نتنياهو يمكن أن تستمر، ولا حكومة التغيير يمكن أن تستقر، في حال نجحت في الحصول على الأغلبية المطلوبة في الكنيست.
الأزمة في إسرائيل تحسب بالساعات. ذلك أن نتنياهو لا يتوقف عن التحريض واتهام خصومه بالخيانة العظمى، ويطالب جمهوره بملاحقة ومحاصرة، نفتالي بينيت وعدد من الوزراء المرشحين ضمن حكومة التغيير المفترضة. ليس ذلك وحسب، بل إن نتنياهو قد يدفع البلاد إلى مغامرة خطيرة، حذرت منها الولايات المتحدة، التي فقدت الثقة بهذا الرجل ما يبقي الوضع مع الفلسطينيين أمام احتمالات تجدد الصراع.
حاول نتنياهو ووزير داخليته المقرب أوحانا، أن يجعل من مسيرة الأعلام، عاملاً مفجراً، ما دفع وزير الدفاع غانتس، ولابيد وحتى بينيت و»الشاباك» لأن يعارضوا السماح بإجراء هذه المسيرة، ولا يزال الأمر يخضع لتقييم الوضع، وربما تسمح «الداخلية» بإجرائها ولكن بمسار مختلف يبعد شبح التصعيد.
في الواقع سيكون من الصعب، أن يكون الحزب الأكبر الذي حصل على ثلاثين مقعداً في الكنيست يقف في موقع المعارضة، أمام توليفة من الأحزاب الصغيرة، ودون أن يسعى بكل الوسائل، للإطاحة بحكومة التغيير.
الأسوأ، هو ما يتوقعه بعض المحللين الإسرائيليين، الذين يعتقدون أن تحريض نتنياهو على خصومه، سيؤدي إلى انقسامات عميقة في المجتمع، ويوفر الدوافع، لقيام البعض بعمليات اغتيال لشخصيات في معسكر التغيير، ما يشكل مقدمة لحرب أهلية.
موضوع الاغتيالات المحتملة، ليس مجرد تكهنات، بل إنها تحولت إلى مخاوف وتحذيرات وإجراء وقاية من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية التي كثفت الحراسة على بيوت بعض المرشحين للاستهداف. نتنياهو ذاته الذي حرض اليمين، ما أدى إلى اغتيال إسحق رابين نهاية العام 1995، وها هو يعيد الكرّة، في ظل ظروف سيطرة اليمين واليمين المتطرف بما لا يقاس مقارنة بظروف العام 1995. وفي ظل هذه الأوضاع، وغياب مؤسسة قرار في إسرائيل، فإن كل الملفات المتعلقة بالتهدئة، وإعادة الإعمار وتبادل الأسرى، لم تحقق أي تقدم، باعتراف الطرف المصري المكلف إدارة هذا الملف بكليته، ويحظى بدعم إقليمي ودولي.