هل يستطيع لبيد تفكيكها؟ القدس قنبلة دينية – سياسية موقوتة

حجم الخط

بقلم: ديمتري شومسكي

 



في كانون الأول 1926 كتب الباحث في «الكابلاه» وأحد اعضاء رابطة «حلف السلام»، غرشوم شالوم، للفيلسوف اليهودي الألماني، فرانس روزنسفايغ: «البلاد بركان. هي تختزن اللغة... واذا أعطينا اولادنا اللغة التي أُعطيت لنا... ألن تنفجر ذات يوم القوة الدينية الكامنة فيها ضد من يتحدثونها؟... اللغة تتكون من اسماء. قوة اللغة متجمعة في الاسم، والهوة التي توجد فيها تنتهي به. بعد أن أقسمنا بالأسماء القديمة يوما بعد يوم لم يعد بإمكاننا إبعاد سلطانها... لن يبقى الله صامتا ازاء لغة اقسموا فيها آلاف المرات باسمه بأنها ستعود الى حياتنا».
في هذه الرسالة، اراد شلوم التحذير من الانفجار اللاهوتي الحتمي للغة العبرية، التي انبعثت للحياة كلغة لشعب إسرائيل في «ارض إسرائيل». في الشهر الماضي، ادركنا الى أي درجة كان تحذير المفكر اليهودي الشاب من برلين صحيحا ودقيقا، والذي كتبه بعد بضع سنوات فقط على هجرته الى القدس. أصبحت البلاد مرة اخرى بركانا، حيث ثارت في أرضها مرة أخرى البوتقة الساخنة لأحد الاسماء القديمة، وهي الحرم. اليهود العاديون، الذين تربوا وتعلموا في الدولة القومية اليهودية التي تقدس ذكرى الهيكل كأحد رموز الماضي الوطني القوي جدا، لا يجب بالضرورة اعتبارهم من «أمناء الهيكل» من اجل أن تتسلل بين فينة واخرى الى ادمغتهم فكرة قومية – علمانية في جوهرها ودينية – ثيولوجية في جذورها، تقول، إن هناك شيئا ما «غير سليم» في حقيقة أنه في الموقع المتماهي فوق كل شيء مع التراث القومي – التاريخي لشعب إسرائيل، والموجود، الآن، تحت سيادة فعلية إسرائيلية، تلوح بتفاخر بيوت صلاة اجنبية.
في المقابل، فلسطينيون عرب، من مواطني إسرائيل أو من رعاياها، غير ملزمين بأن يكون هناك مسلمون متعصبون. وفعليا يجب ألا يكونوا مسلمين أبدا، من اجل أن يروا في كل حضور للسيادة اليهودية في الحرم، سواء أكان هذا حجا لليهود للحرم بحماية من الجيش أو مهاجمة مئات المصلين المسلمين في المكان بقنابل الصوت، سعيا الى محو الأنا الجماعية الفلسطينية.
يبدو أن مؤسس الصهيونية السياسية، ثيودور هرتسل، كان على وعي كامل بأنه تحت المساجد في الحرم تكمن قنبلة موقوتة، ثيولوجية – سياسية. وقد أراد تحييدها بخطوة جريئة وحاسمة. في روايته الخيالية – السياسية «ألتنويلاند» (ارض قديمة – جديدة)، بني الهيكل مجددا في القدس، لكن ليس على ارض الحرم. احاد هعام، في انتقاده السام للرواية، استخف بهرتسل وتساءل: «في أي مكان تم بناء الهيكل، حيث إن مسجد عمر ما زال يقف في مكان بيت الاختيار؟». ولكن والد الصهيونية الفكرية لم يصل الى اعماق رأي الكاتب، الذي اراد هنا بضربة واحدة والى الأبد أن يحرر المشروع الصهيوني من عبء الماضي الديني، والذي يقيد مستقبله بموقع ديني مقدس لديانة اخرى، القائم منذ اكثر من الف سنة.
تجدر الاشارة الى انه خلافا للرواية الطوباوية فإن الحل الاصلي لهرتسل لفك العقدة المستحكمة بين السيادة اليهودية والبركان القاتل الموجود على سلسلة جبال «يهودا»، لا يمكن أخذه في الحسبان في الوضع الحالي. الخطوة العملية المطلوبة بروح رسالة هرتسل التي يجب اتخاذها هنا هي تقسيم السيادة في القدس بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين مع التنازل عن حلم السيادة الإسرائيلية الحصرية في الحرم.
عن «هآرتس»