سبحت بين الماضي والحاضر في تناغم جعل من المقارنة أشبه بالصورة التي لا تتحرك قريبة من العين فتراها واضحة، وتتأمل ملامحها وتدقق في كل تفاصيلها فتحكم حكم الواثق على الجسد الضعيف الذي لا يتعلم من أخطاء الماضي لكي ينهض من جديد ويتعافى على شواطئ الرحيل.
شواطئ الرحيل رواية للكاتبة رشا عدلي، الصادرة عن دار نهضة مصر للنشر والتوزيع تدور أحداث الرواية في خطين متوازيين بين إياد الطفل المصري الذي قتلت أسرته في العراق، حيث يعمل أباه في العراق في وكالة نووية، على يد قناص أمريكي أثناء غزو العراق ويخرج ولا يحمل معه سوى كتاب أعطاه عمه الذي تكفل بتربيته إياه كإرث عن والده والخط الآخر هو خالد الذي خرج من غرناطة بعد سقوط الأندلس ورحيله إلى بلاد المغرب بعد قتل أسرته على يد القشتالين وبحثه الدائم عن قائد هم لينتقم لأسرته وكتب خالد قصته في كتاب وهو الكتاب الذي يحمله معه إياد في رحلته إلى بلاد الغرب.
نجحت رشا عدلي أن تجعلنا نبكي على حالنا قبل أن نبكي على خالد الذي رحل عن غرناطة -أرضه- إلى عالم ليس له فيه سكن ولا عمل، أرض بلا مأوى هكذا أيضا رحل إياد عن بلده إلى بلاد الغرب ليتحول إلى قاتل لا يعرف سوى الدماء حتى ينتقم من قاتل أسرته الصغيرة بدماء باردة، وقلب لا ينبض سوى بالقتل فيقتل إياد ولا يقتل إلا الجندي الأمريكي الذي قتل أسرته، وما زال يبحث عنه وكان الأحداث واحدة يتعلق إياد بكتاب يحكي قصة سقوط غرناطة وفيها يحكي خالد قصته أيضا وكيف قتلت اسرته ولم يتبق سواه، ورغبته في الانتقام من قاتل أسرته ويتمكن بالفعل من قتله ولكن هل يعود إلى حياته الطبيعية تزوج وأنجب ولكن أخرج من الأندلس بعد أن أجبر على ذلك مثل ما أجبر إياد على نفس الأمر وكانت الكرة تعود.
انتقلت رشا بين الأحداث في لغة سلسة جيدة وفكرة ترابط الأحداث في خطين متوازيين لا يؤثر أحدهما على الآخر جعلنا كأننا نعيش في غرناطة وباريس والعراق وبلاد المغرب تلك الأماكن التي دارت بها احداث الرواية حيث استطاعت أن تنقل لنا صورة كاملة عن الحياة في بلاد الأندلس في تلك الفترة وكأننا نحيا بها نقلت لنا جمالها ومعاناتها وحزنها وفرحها وهي في قوتها وهي في أضعف حالاتها.
هل تعود بنا الرواية إلى جماليات الرواية التاريخية التي نحتاج إليها الآن في ظل فقر شديد في مثل هذا النوع من الروايات التي بها تنوع الشخصيات، وهي غنية بالأحداث التاريخية والإسقاط على الواقع الآن ولكن رغم جدية الرواية وطابعها التاريخي إلا أنها ليست جافة ولكنها رواية يستمتع القارئ بها وينجذب إلى أحداثها الغنية بالتفاصيل النفسية والتاريخية رشا العدلي أجادت ويتوقع أن تحقق الرواية نجاحا كبيرا لدى القارئ المصري والعربي.