بعد طول انتظار، استطاعت الأحزاب السياسية "الإسرائيلية" بمساعدة القائمة العربية، تشكيل حكومة بتأييد 60 صوت مقابل 59 مُعارض، لكنّها هشة لكونها تسعى لإرضاء أطرافها، وتقوم على التناوب بين نفتالي بينت زعيم حزب يمينا، ويائير لابيد زعيم حزب هناك مستقبل.
ويأتي توقيت تشكيل الحكومة، بعد خروج الاحتلال من حربٍ طاحنة استمرت 11 يومًا مع قطاع غزّة، والتي فشلت خلالها حكومة نتنياهو السابقة في تسجيل صورة نصر، ومع استمرار الأسباب التي أدت للحرب من التهديدات بإخلاء أحياء الشيخ جراح وسلون وبطن الهوي.
كما يُضاف إلى ذلك، ما تُسمى "مسيرة الأعلام" التي تنوى جهات استيطانية تنظيمها في شوارع القدس، والتي قد تُفجر الأوضاع من جديد؛ خاصةً في قطاع غزّة الذي تُهدد فصائل المقاومة فيه بالرد السريع على أيّ تهديد واقتحام للمسجد الأقصى وباحاته، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول كيفية تعامل الحكومة الجديدة مع ملف غزّة؟ وماذا عن صفقة التبادل؟ وهل ستستمر القيود المفروضة من عدمه؟!.
لا سياسية جديدة لحكومة بينت مع غزة
قال المختص في الشأن الإسرائيلي، عليان الهندي: "إنّ حكومة بينت ليس لها سياسة جديدة تجاه قطاع غزة؛ لأنّ السياسة التي ارتسمت لغزّة مُنذ عام 2007 وحتى هذا اليوم، تتضمن عناصر كثيرة؛ لكنّ أهم عنصرين بها هما ضبط حركة التجارة والناس والتعامل وفق مبدأ التهدئة وجولات قتالية وتهدئة".
وأضاف الهندي في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "أيّ بمعنى أنّه انفرض على قطاع غزة نوع من إدارة الصراع تُحدد إسرائيل عناصره بشكلٍ أو بآخر؛ خاصةً أنّ الحكومة الجديدة يترأسها بينت للمرة الأولى وتضم وزراء جُدد".
ورجَّح أنّ يكون لمؤسسات الدولة العميقة دور كبير في التعامل مع قطاع غزّة، مثل الجيش والمخابرات والموساد وما شابه ذلك من مؤسسات؛ لأنّ الحكومة الجديدة تحتاج غلى فترة طويلة لأخذ الصلاحيات.
وفي رده على سؤال حول تفجير مسيرة الأعلام المتوقعة غدًا؛ للأوضاع في قطاع غزّة، قال الهندي: "إنّ المفاوضات الجارية في مصر لا علاقة لها بما يجري في الضفة الغربية؛ لأنّ المشكلة تكمن في وجود مطالب لسكان غزّة".
وتابع: "إسرائيل وضعت تصور لمشكلة قطاع غزّة منذ عام 2015، والتصور الذي وضعته، كان بناءً على معطيات تتعلق بأنّ عدد سكان قطاع غزة (مليون ونصف) ووضعت تصوراً لتهدئة تستمر من 6 إلى 8 سنوات، بناءً على معطيات السكان".
وأردف: "المطروح اليوم، هو ذات معادلة عام 2015؛ وإذا تم تنفيذها بشكلٍ حقيقي وفعلي؛ فنحن ذاهبون إلى نقطة الصفر، وبالتالي سوف تبحث عن آلية لتهدئة جديدة تضمن عدم انفجار قطاع غزّة مرة ثانية".
لن تصمد أيّ تهدئة مع غزّة
وبشأن ذهاب الحكومة الجديدة بقيادة بينت؛ لإنجاز صفقة تبادل أسرى، قال عليان: "حتى لو تمت صفقة تبادل، فالمشكلة هي أنّ إسرائيل تُريد عزل قطاع غزّة وطنيًا وديمغرافيًا وسياسيًا عن الضفة الغربية، وبالتالي فإنّ الأمورستعود لنفس الدائرة إلا إذا قرر سكان غزّة إيجاد حل لهم بمعزل عن الضفة".
واستدرك: "لا أعتقد أنّ أيّ تسوية تتعلق بقطاع غزّة ستصمد؛ خاصةً أنّ غزّة من مؤسسي الحركة الوطنية في فلسطين بعد 1948"، مُردفًا: "وبالتالي الصراع، سيأخذ الصراع مجالات أوسع عكس اعتقاد الناس بالتوصل إلى تهدئة".
نفالتي بينت ...للحكم شروط وأحكام
من جهته، رأى الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي، باسم أبو عطايا، أنّ خطاب بينت، بالأمس، في الكنيست والذي وضع من خلاله الخطوط العريضة للبرنامج السياسي، يُوضح أنّ تفكيره عندما كان خارج الحكم يختلف عندما أصبح داخله".
وأضاف أبو عطايا في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "بمعنى أنّ هناك اختلاف في النهج الذي كان يتبناه قبل ذلك، والتي كانت تدعو لاحتلال قطاع غزّة بشكلٍ كامل وتدمير المقاومة ومنع إدخال الأموال، مُستدركًا: "لكنّه بالأمس تحدث في خطابه أنّه مُتمسك بالتهدئة التي تم التوصل إليها"
وقال: "هذا يعني أنّه لا زال يُحافظ على العلاقة مع قطاع غزّة، ويُحاول أنّ لا يدخل في مواجهة عسكرية على الأقل في الوقت الحالي مع بداية حكمه؛ خاصةً في ضوء المعادلة التي استطاعت المقاومة فرضها في العدوان الأخير".
ولفت الانتباه إلى ما ألمح به بينت، حول أسرى الاحتلال المتواجدين في غزّة ومحاولات إعادتهم بطرق غير عسكرية، بعد أنّ كان يُهدد بعملية عسكرية كبرى في غزّة لإعادتهم.
وأوضح أنّ بينت ليس وحده من يقود العملية العسكرية، بل هناك حكومة أطياف مختلفة وعليه أنّ يُرضى كل الأطراف الممثلة في الكنيست؛ بمعنى أنّه لن يأخذ قرار باتجاه أيّ مواجهة عسكرية أو فرض تضييق ولديه شركاء يرفضون هذا الأمر.
واستعرض أبو عطايا، آراء أركان حكومة بينت تجاه غزة بالقول: "هناك بيني غانتس، الذي دائمًا يطرح فكرة النمو الاقتصادي لغزّة بديلاً عن العمليات العسكرية، وتحصين البني التحتية باتجاه أنّ لا يكون هناك ضغط ينفجر باتجاه غزّة وهذا طرح مختلف عن بينت".
وأكمل حديثه: "هناك وجهة نظر لائير لبيد الذي يرى أنّه من الضروري التفاوض مع الفلسطينيين وإقامة علاقات جيدة بغض النظر عن شروطه وقبوله حل الدولتين، بالإضافة لحديث وزير الأمن الداخلي في حكومته، بضرورة عدم خروج مسيرة الأعلام المقررة غدًا عن السيطرة".
وأردف: "وجود القائمة العربية، ممثلة في حكومة لبيد، يعني أنّ أيّ انسحاب لها قد يؤدي لسقوط حكومته؛ وبالتالي عليه أنّ يُرضى شركائه؛ كي لا ينهار الائتلاف".
تغيير السياسية الإسرائيلية تجاه غزة... أولوية أمريكية
وبشأن احتمالية رفع الحكومة الجديدة القيود عن قطاع غزّة، قال أبو عطايا: "هناك وعود قطعتها الولايات المتحدة الأمريكية بالسعي إلى تثبيت الحكومة الجديدة ومساعدتها في إخراج نتنياهو من المشهد السياسي خلال الزيارة الأخيرة لغانتس للولايات المتحدة".
وتابع: "تعامل الولايات المتحدة مع يائير لبيد وغانتس مختلف مع بينت، كونه الأضعف على مستوى العلاقات الدولية والتعاون مع أمريكا؛ ولذلك سيستجيب للضغوط الأمريكية بضرورة تغيير السياسية الإسرائيلية تجاه غزّة".
وختم أبو عطايا حديثه، بالقول: "قد يتم اللجوء إلى التنمية الاقتصادية وفتح أكبر للعلاقات وإعادة العلاقة مع السلطة وقطاع غزّة، وبالتالي الاتجاه نحو سياسة مختلفة عن أيام حكم نتنياهو".