مكالمة رئاسية أمريكية هي الأسرع...هل من دلالة سياسية؟!

حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 ما أن أعلن عن تمرير ما يسمى بـ "حكومة التغيير" في دولة الكيان بـ 60 عضوا في الكنيست مقابل 59، حتى تلقى رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي جو بايدن، مهنئنا بالحدث الذي كان، وبالطبع تلاها تهاني أمريكية أخرى كل حسب تخصصه.

لعل الملفت في المكالمة الهاتفية الرئاسية، ليس مضمونها وما حدث بها من تأكيد المؤكد لعلاقة الراعي المطلق للكيان، بل توقيتها الغريب جدا، فبعد دقائق فقط، وقبل أن تنتهي حركة التهاني الإسرائيلية، كان بايدن يهنئ، ما يكشف أنه انتظر تلك النتيجة بشكل يفوق انتظار كل "كارهي المكروه العام" نتنياهو، ولعل بايدن وطاقمه أطلقوا صرخات "النصر" فرحا بنهاية عهد طال أمده.

بالتأكيد، لم يكن اعتبار سرعة الاتصال عملا تقليديا يحدث بين رئيس أمريكا ورئيس حكومة إسرائيلي نال ثقة الكنيست، خاصة مع التذكير أن بايدن لم يتصل بنتنياهو سوى بعد شهر من تنصيبه رئيسا لأمريكا، وفي حينه تناولت وسائل الإعلام تلك المسألة الغريبة، وهل هي تعبير عن "غضب سياسي"، أم "جدولة زمنية" لحركة الاتصالات.

ولكن، بعد هاتف بايدن لبينيت تأكد أن الأمر كان موقفا سياسيا غاية في الوضوح، يكشف أن الحزب الديمقراطي الحليف التاريخي لإسرائيل أصابه "غث سياسي" من علاقة نتنياهو بترامب، خاصة في زمن الانتقال للسلطة، والانحياز المستفز له، وربما اشارت الى دور واشنطن المباشر في إسقاط نتنياهو للمرة الثانية.

سرعة اتصال بايدن برئيس حكومة الكيان الجديد، تعيد للذاكرة سابقة سياسية فريدة، فبعد قمة واي ريفر 1998 عندما اتفق الرئيس الخالد المؤسس ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه نتنياهو، برعاية الرئيس الأمريكي كلينتون على تنفيذ الاتفاق المرحلي بإعادة انتشار قوات الاحتلال من مدن وبلدات فلسطينية، ولكن ما أن وصل نتنياهو الى مطار اللد حتى أعلن تنصله الكلي من اتفاق واي ريفر، ورفض كليا أي بدء لإعادة الانتشار من المدن والبلدات الفلسطينية.

وجاء الرد الأمريكي غريبا وسريعا، عندما قرر الرئيس الأمريكي البدء بالعمل على اسقاط نتنياهو وإجراء انتخابات جديدة مبكرة، وكلف سفير واشنطن في تل أبيب الصهيوني جدا مارتن أنديك بتلك المهمة، وخلال أسابيع فقط نجحت أمريكا بإسقاط نتنياهو وفاز يهود براك رئيس حزب العمل برئاسة الحكومة عام 1999، وأعلن كلينتون شخصيا في اتصال هاتفي مع الشهيد أبو عمار النصر على نتنياهو.

يبدو أن خصومة أمريكا الديمقراطية مع نتنياهو ليست وليدة علاقته بترامب فقط، بل لسلوك مختلف يحتاج قراءة أخرى، ولكن بالتأكيد أن أمريكا بايدن ستعمل بكل السبل الممكنة لمنع عودة نتنياهو الى الحكم مرة أخرى، وبدأت تعد المسرح السياسي لذلك، بعدما منحت الضوء الأخضر لصحيفة "واشنطن بوست" بنشر دور نتنياهو فيما يعرف بـ "مؤامرة الأمير حمزة" ضد الملك عبد الله، ما يمكن اعتباره تحريض صريح على أن "نتنياهو أصبح خطرا على إسرائيل وجيرانها"، ما يهدد مجمل الاستقرار الإقليمي.

بالتأكيد، أن أمريكا لن تواصل المسار الترامبي الذي ذهب بعيدا عن أصل الصراع، القضية الفلسطينية، وحاول استبدال حل الصراع المركزي بأشكال "تسهيلية" من خلال اتفاقات "تطبيع"، لا تصمد كثرا مع أي هزة شعبية ترتبط بالمواجهة مع دولة العدو القومي، وربما أحداث الـ 11 يوما الأخيرة كشفت كثيرا، ما أجبر واشطن على تغيير أولوياتها والعودة الى لعب دور في حراك سياسي شرق أوسطي.

ربما، لم تتبلور كليا عناصر استراتيجية لكيفية الحل السياسي للصراع المركزي وتحقيق السلام والاستقرار، ولكن بلا أدنى تردد، بدأت أمريكا ودول عربية ورباعية دولية بالبحث عن ملامح لما يعرف راهنا بـ "الحل الممكن".

إسقاط نتنياهو أمريكيا هو المقدمة الأولى لتجسيد الضرورة السياسية لانطلاق قاطرة الحل المنتظر، الذي قد يحمل عناصر جديدة كليا عما عرض سابقا، ذات "بعد كونفدرالي ثلاثي ورباعي" بين أطراف الصراع المباشرين وهو ما يجب قراءته بشكل تفصيلي.

ملاحظة: في ذكرى انقلاب حماس، وبدأ مرحلة الزمن الانقسامي الأخطر على القضية الوطنية، وتراجع كل فرص "حل ودي داخلي"، هل نشهد انتفاضة حقيقية لقوى تقف ما بين فتح وحماس...فدونها لا أمل بنهاية الظلام السياسي.

تنويه خاص: ليس من مصلحة قيادة حركة فتح (م7) وحكومتها، ترويج همهمات سياسية سلبية عن دور مصر في إعادة إعمار قطاع غزة...تذكروا أن مصر اليوم ليست مصر الأمس...فاهمين يا شطار أم بدكم شرح!