زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للمنطقة واللقاءات التي يجريها مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لم تترافق باي نوع من التفاؤل او حتى الغموض او الفضول، بل كانت النتائج متوقعة سلفاً وهي الفشل في تحقيق اي شيء، ليس فقط لانها ارتبطت بعنوان التهدئة التي لا يمكن تحقيقها بمجرد الدعوات او اعلان النوايا، بل كذلك لانه يوجد اصرار إسرائيلي على إفشال كيري وعدم منحه ما يحفظ ماء الوجه خلال لقائه مع الرئيس محمود عباس لمطالبته بضبط الأوضاع وتحقيق التهدئة التي تريدها واشنطن وتل ابيب. ما تسرب عن اللقاء بين كيري ونتنياهو صباح الامس يكشف حقيقة الموقف الاسرائيلي من جولة كيري، فقد طالب الأخير بخطوات إسرائيلية في مناطق (ج) مثل تطوير بنية تحتية ومشاريع بناء وتسليم بعض المناطق للسلطة للايحاء بأن فكرة حل الدولتين لا تزال تنبض بالحياة، ولكن نتنياهو رد عليه بان أي بناء للفلسطينيين يجب ان يتم بعد ان توافق الولايات المتحدة على ضم اسرائيل للكتل الاستيطانية ومنحها الحرية والأذن للبناء فيها، وذلك استكمالاً لموقف أميركي سابق بضرورة أخذ التغيرات على الارض في اي عملية لترسيم الحدود بين اسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة. بل ان نتنياهو ذهب الى رفض القيام باي خطوة مهما كانت صغيرة مثل بعض التسهيلات الاقتصادية قبل حصول التهدئة ووقف موجة المقاومة الحالية. باختصار يقابل نتنياهو الرئيس محمود عباس وهو خالي الوفاض وجعبته فارغة. والسؤال هو: هل يتجاهل الوزير كيري الموقف الاسرائيلي ويصر على مطالبة الرئيس والسلطة بالعمل على التهدئة دون مقابل في وقت يتغول فيه الاستيطان ويتعاظم ويدمر فرصة الحل المبني على إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران من العام 1967 الى جانب دولة اسرائيل؟ لا يبدو ان الأميركيين يدركون ما يحدث في هذه المنطقة، وما يمكن ان يحققه وزير الخارجية كيري بمجرد قدومه وحديثه مع الطرفين وضغطه على الجانب الفلسطيني دون غيره، فَلَو ادركوا طبيعة المواجهة الراهنة وأنها لا تخضع لرأي احد ولا يمكن التأثير على الشباب الفلسطيني الثائر ليس بدافع اليأس كما يحلو للبعض ان يحلل بل بدافع الرغبة في الانخراط في الفعل الذي يريد تغيير الواقع الذي لم يعودا يطيقونه، فخيبة الأمل من العملية السياسية واجراءات الاحتلال والاستيطان والتهويد والاعتداء على المقدسات كلها عوامل دفعت الشبان الفلسطينيين للفعل على طريقتهم الخاصة دون توجيه من احد ودون تحريض وأخذ قرارات من أية قيادة، لما بنوا آمالاً على إمكانية التوصل الى اي موقف يمكنه ان يؤثر على منسوب المواجهة او طبيعتها. وهذا لا يعني انها ستستمر كما هي بنفس الوتيرة ولكن يبدو صعباً ان يجري تغيير مسارها بتدخل او ضغط دولي. لا يظهر ان الادارة الأميركية في آخر أيامها معنية باحداث تغيير جدي في المنطقة، والاصح هو انها نفضت يدها من العملية السياسية ولم تعد تعول على تدخلها في احداث اي تغيير او انطلاقة حقيقية، بل هي تريد إدارة الأزمة والصراع بدون تطورات مفاجئة او عنيفة يمكنها ان تؤثر على مسار القضايا الاخرى او تشوش عليها. وهي لا في هذه الزيارة ولا في غيرها يمكن ان تفعل شيئاً يبدل صورة الوضع. فالمطلوب هو اعادة الأمل بعملية السلام من خلال احداث انطلاقة حقيقية فيها تبدأ أولاً بوقف الاستيطان الامر الذي ترفضه اسرائيل نهائياً، وبتحديد مرجعية واضحة للعملية السياسية وسقف زمني للتفاوض لتحقيق الهدف المحدد لها، وبدون ذلك لا يمكن ان توقف المواجهات والصراع وحتى لو خفتت حدتها في مرحلة ما لسبب أو آخر، فلا يمكن ان يستمر الهدوء لفترة طويلة، في كل مرة تتجدد المواجهات تكون اشرس وأكثر ضراوة وفيها جديد كذلك، فإلى متى يستمر تجاهل الحقائق؟ والى متى يظل التعامل مع قضية الشعب الفلسطيني بشكل مغاير ومختلف عن كل الصراعات في المنطقة التي يجري فيها تدخل فاعل وقوي؟ اليوم يضع الشباب الفلسطيني الأمر على الطاولة ولا احد يعلم كيف سيتطور مع ازدياد وتيرة القمع والقتل والعقوبات الإسرائيلية.