السلطة واثقة بدعم الغرب، وتسمح لنفسها بقمع كل احتجاج بالقوة

حجم الخط

هآرتس – بقلم عميره هاس

مجموعة شباب بملابس مدنية ظهرت فجأة من مكان معين وبدأت في الاندفاع نحو المتظاهرين الذين ساروا في شارع الارسال في وسط رام الله وهتفوا “الشعب يريد اسقاط النظام” و”يا للعار، يا للخجل، الثورة تقتل أبناءها”. القصد هو الناشط السياسي نزار بنات الذي ضرب بشدة اثناء اعتقاله من قبل رجال قوات الامن التابعة للسلطة الفلسطينية في يومالخميس الماضي، وتوفي. عدد من الشباب الذين اندفعوا أول أمس نحو المتظاهرين كانوا يحملون في أيديهم الهراوات، أحدهم كان يحمل قطعة خشب. هؤلاء كانوا رجال الاجهزة الامنية الفلسطينية أو اعضاء من فتح أو كلاهما معا. هذه هي طريقة العمل المعروفة في فترة المظاهرات ضد حسني مبارك في مصر: رجال أمن تحت ستار بلطجية تم ارسالهم لقمع الاحتجاج. بيان لفتح، بعد بضع ساعات على ذلك، واقوال اسمعها كبار رجالات الحركة في محطة الاذاعة الرسمية، “صوت فلسطيني”، قالوا اكثر من ذلك: المهاجمون ارسلوا كي يظهروا بأن اجهزة الامن الفلسطينية ليست وحدها في المعركة ضد المفترين عليهم.

​القمع على مراحل للمظاهرة يدل على أن رؤساء الاجهزة الامنية نسقوا ووزعوا العمل فيما بينهم. الفلسطينيون دائما يشتكون من غياب التخطيط أو من تخطيط معيب في المهمات المدنية للسلطة وفي نشاطاتها ضد الاحتلال الاسرائيلي. ولكن هنا مؤسسات السلطة بالتحديد اظهرت قدرات لحساب كل جزئية مسبقا. فقد فرقوا بالعنف المظاهرة، هاجموا صحافيين وصحافيات، اختطفوا هواتف متظاهرين وانقضوا على الفضاء العام في ميدان المنارة من خلال خلق مظاهرة دعم بديلة للرئيس محمود عباس.

​من خلال كل ذلك ارسلت فتح رسالة قاطعة لمن لا يعرف: الحركة والاجهزة الامنية التابعة للسلطة الفلسطينية هم نفس الشيء، هم يمثلون النضال الفلسطيني ولا يوجد غيرهم، هم النضال الفلسطيني. ومن يمسهم فهو يمس بالنضال وبالشعب. هل العنف يدل على الذعر؟ الاتحاد الاوروبي عبر عن الصدمة من موت بنات في المعتقل وسارع الى التوضيح بأنه لا يمول الاجهزة الامنية الفلسطينية – باستثناء الشرطة. نشطاء فلسطينيون آخرون طلبوا مؤخرا من الدول المانحة وقف دعمها المالي للسلطة. هل هذا ما يقلق فتح والسلطة، لذلك سمحوا لانفسهم باتخاذ تكتيك ردع وتخويف، الذي فقط اثبت بصورة أشد الاقوال الانتقادية للنظام الديكتاتوري المقطوع عن الشعب؟ أو ربما العكس؟ ربما أنهم سمحوا لانفسهم بذلك لانهم شعروا بالثقة بأن الدعم العالمي لهم مضمون؛ وأنهم، بواسطة العلاقات الخاصة التي بنوها مع سلطة الاحتلال الاسرائيلي، يحافظون على استقرار اقليمي معين، ويحافظون على النضال ضد الاحتلال بوضعه المنضبط، الاحتجاجي فقط، المتفرق وغير المخطط، في حين أن اسرائيل تواصل السيطرة على معظم اراضي الضفة الغربية وتحطم التواصل الفلسطيني في شرقي القدس. الدول الغربية التي لا تتجرأ على القيام بخطوات ضد اسرائيل بسبب خرقها للقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة تقدر هذا الاستقرار والسلطة الفلسطينية التي تضمنه.

​هل تكتيك القمع العنيف تم اختياره بسبب الخوف من أن يتسع الاحتجاج؟ أو ربما بالتحديد بسبب معرفة أن معظم الجمهور الفلسطيني، بدون أي صلة بدرجة اشمئزازه من السلطة، يخاف من ضعضعة الاستقرار المعين الذي تم تحقيقه في داخل الجيوب الفلسطينية. ولذلك هو لن ينضم بجموعه الى الاحتجاج؟. في الكون الموازي الذي خلقه المتحدثون باسم فتح بتصريحاتهم، هذه هي الصورة: حدثت حادثة والمواطن بنات قتل. نحن نشارك العائلة حزنها. وقد تم تشكيل لجنة تحقيق رسمية وهذا الامر نحن نشيد به. ولكن جهات مشبوهة، مرتزقة، معنية باثارة الفتنة، ايضا حماس في غزة، تستغل هذه الحادثة من اجل اثارة اعمال الشغب ونشر السم ضد الاجهزة الامنية الفلسطينية التي تدافع عن شعبنا وحقوقه ونضاله. حركة فتح، كتب في البيان الرسمي، ستضرب بقبضة حديدية من يفكر بالافتراء على مؤسساتنا الامنية.

​عمليا، سار في المسيرة في مساء يوم السبت حوالي 100 – 150 شخص. فهم انفصلوا عن مجموعة اكبر ولكنها ليست كبيرة جدا، بضع مئات من المحتجين الذين تجمعوا قبل ساعة من ذلك في ميدان المنارة. لم يتم القاء خطابات، عدد قليل من رجال الشرطة شوهدوا هناك، السيارات واصلت السفر في الميدان، فقط شارع واحد اغلق أمامها، عدد من المتظاهرين احضروا اولادهم الصغار وحملوهم على اكتافهم أو على أيديهم: اشارة واضحة على أنهم قدروا أن السلطة ستضبط نفسها. المتظاهرون في معظمهم متماهون مع اليسار: اعضاء أو مؤيدون اليوم أو في السابق. احدهم قال إن بعض مؤيدي مروان البرغوثي، الشخصية الرفيعة في فتح والمسجون لدى اسرائيل، ايضا شوهدوا بين المتظاهرين. واذا كان هناك مؤيدون لحماس والجهاد الاسلامي فهم لم يكونوا معروفين ولم يبرزوا. شخص ما صرخ “الله اكبر” ولم ينضم أي أحد الى هتافه. “الدلالة المقنعة على أن الاغلبية هي من اليسار”، اشارت مشاركة. وفي اليسار مثلما في اليسار: ثار نقاش هل نسير نحو قصر الرئاسة (المقاطعة)، شمال شارع الارسال، أو الاكتفاء بالمسيرة في الشوارع المحيطة بالميدان. المجموعة الصغيرة التي اختارت السير نحو المقاطعة دعت المارة الى ترك الارصفة والانضمام اليها. المارة نظروا اليهم بفضول ولم ينضموا. المتظاهرون تقدموا نحو المقاطعة. في هذه الاثناء لم يشاهد رجال شرطة. هذا كان أمر غريب. وفجأة ظهر الزعران.

​لقد بدأوا بالقاء زجاجات المياه الفارغة واجسام غير معروفة على المتظاهرين الذين كانوا ما يزالون على بعد 20 – 30 متر عنهم. الزعران هتفوا هتافات غير واضحة. ومن المدهش الاكتشاف كيف أن الصراخ يمكن أن يفزع وأن يثير التشويش. مدنيون آخرون بملابس مدنية ركضوا من شوارع جانبية نحو المتظاهرين وهم يصرخون. اصحاب المحلات التجارية اغلقوا محلاتهم. المارة بحثوا عن اماكن يحتمون فيها. وعندها، الشباب الذين كانوا بملابس مدنية بدأوا يرشقون الحجارة على المتظاهرين. هذا شارع معبد في وسط رام الله، الحجارة لا تتدحرج على ارضيته. من المكان الذي كنت أقف فيه لم استطع رؤية هل قام المتظاهرون برشق الحجارة على مهاجميهم، مثلما قيل في احد التقارير. ولكني رأيت بأن من بدأ برشق الحجارة هم الزعران. مجموعة من رجال الشرطة المتجهمين ظهرت في نهاية الشارع. هم لم يتحركوا، اصوات انفجار – قنابل صوت وغاز مسيل للدموع – سمعت. يبدو أن رجال الشرطة اطلقوها وكانوا قريبين من المنارة. الغاز بدأ يزعج. بين حين وآخر هاجم الزعران شخص بالهراوات أو انقضوا على شخص وجروه نحو رجال الشرطة وهم يضربونه على ظهره. يبدو أنه من بين من تمت مهاجمتهم كان هناك بعض المارة، فتيات صرخن على الزعران، وتبين أن هؤلاء الزعران قمن باختطاف هواتفهن التي صوروا فيها. هل تصرفتم كما يرام، لماذا تخافوا من أن تنشر صوركم؟ هكذا وجهن كلامهم الانتقادي نحوهم.

​في ظهيرة أمس اطلق قاضي محكمة الصلح سراح عشرة اشخاص من بين الـ 14 متظاهر الذين تم اعتقالهم دون قيد أو شرط. في رام الله لم يشاهد توتر استثنائي. “حزب الشعب” الصغير انسحب من الحكومة احتجاجا على سلوكها. ولكن في هذه الاثناء يبدو أن السلطة سمحت لنفسها باستخدام القمع العنيف، بالذات لأنها تعرف بأن عدم الوضوح بخصوص ما سيحدث اذا انهارت، يخيف الجمهور. بالتحديد لأنها على ثقة بأن الاوروبيين والولايات المتحدة والجمهور الفلسطيني لا يمكنهم التنازل عن خدماتها وعن نفس الاستقرار في الجيوب في ظل التنسيق الامني والمدني مع اسرائيل.