عن سلامة الأغذية... والقلق المشروع

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

لفت انتباهي خلال الأيام أو الأسابيع القليلة الماضية، تقارير حول سلامة الغذاء في بلادنا ومن ضمنه المياه التي نشرب، ومن ضمن ذلك دراسة لعينات مياه من منطقة «عين جدي»، والتي يصل جزء منها بشكل أو بآخر الى المستهلك الفلسطيني، وكذلك اكتشاف عبوات مياه في الأسواق غير صالحة للاستهلاك أو منتهية الصلاحية، وكذلك منتجات غذائية انتهت صلاحياتها ولكن ما زالت على الرفوف في انتظار المستهلك.
وبينت نتائج دراسة مياه «عين جدي» والتي تم فحصها في مختبرات فلسطينية، ان المياه ملوثة بيولوجيا، أو بالأدق تحوي كائنات بكتيرية أعلى من المسموح به ومن ضمن ذلك بكتيريا من مصادر حيوانية، أي أنها قد تكون وصلت إليها من خلال فضلات البشر أو خطوط المجاري في المنطقة، وسواء أكان الأمر تلوثا بيولوجيا أو انتهاء الصلاحية أو انتفاخ المنتج الغذائي وما الى ذلك، فهذا يثير القلق عند الناس، وهو قلق مشروع ومفهوم.
وقد يؤدي التلوث البيولوجي الى أعراض مرضية سريعة على شكل إسهال أو تقيؤ أو دوخة أو الآلام ويصل المصاب الى الطبيب وربما الى المستشفى حيث يتم التعامل معه، ولكن يبقى التلوث الكيميائي هو الأكثر خطورة، حيث لا يشعر به المستهلك للمنتج الملوث، ويستمر في الاستهلاك حتى تظهر الأعراض على شكل أمراض خطيرة بعد فترة من الزمن، والتي قد تكون عضالة أو مميتة.
والحديث عن موضوع سلامة الغذاء في بلادنا هو موضوع قديم جديد، حيث يطفو على السطح حين تكون هناك أحداث لها علاقة بسلامة الغذاء والدواء، حيث حدث قبل فترة ليست بالبعيدة ان أعلنت وزارة الاقتصاد الوطني في بلادنا عن اكتشاف وبالتالي إتلاف وسحب منتجات إسرائيلية من الأسواق وخصوصا أنواعا من السلطات الملوثة بالبكتيريا أو تلك التي تحوي مواد كيميائية حافظة أعلى من المسموح به حسب المواصفات الفلسطينية.
فالمواد الحافظة وبصرف النظر عن آلية عملها هي مواد كيميائية، إذا زاد تركيزها عن الحد المسموح به تكون لها آثار عكسية وتسبب التلوث الكيميائي للطعام، ومن ضمن بقايا المواد الكيميائية في الطعام كذلك العناصر المعدنية ومواد غير عضوية، والمبيدات، وبالأخص في الغذاء الطازج مثل الفواكه والخضار، حيث معروف ان المبيدات الكيميائية تستخدم في أنحاء عديدة في العالم للحفاظ على نوعية وكمية الإنتاج، وبعض هذه المواد تمكث لفترة قصيرة والأخرى تبقى وتنتقل في النظام البيئي الحيوي من التربة إلى النبات، إلى الهواء، الطعام ومن ثم الإنسان.
ولأن هذه المواد الكيميائية قد تكون ضارة صحياً وبيئياً، فإن هناك دولا قد أقرت تشريعات وقوانين للاستعمال الصحيح والآمن لهذه المبيدات، وفي أحيان عديدة لترشيد استخدامها بالكمية الأقل، وهذه القوانين مُلزمة للشركات وللمصانع التي تنتج المبيدات والمواد الكيميائية وتوزعها وللمزارعين الذين يستخدمونها وكذلك مؤسسات التسويق من حيث إلزامها بالسماح لحد معين ما من بقايا المبيدات في المنتوج الذي في المحصلة يصل إلى الإنسان.
وحين الإعلان عن اكتشاف وإتلاف كمية معينة من المنتجات الفاسدة، فإن هذا لا يعني أنه قد تم إتلاف كل ما هو ملوث أو منتجات غير صالحة في الأسواق، حيث من المتوقع أن جزءا من هذه المنتجات ومن غيرها من المنتجات الفاسدة الأخرى ما زال في المخازن بانتظار اللحظة المناسبة للتوزيع، وكمية أخرى قد وصلت الى الأسواق وما زالت فيها، وجزء آخر قد تم استهلاكه، حيث يصبح القلق والإرباك عند الناس قلقا مشروعا.
ونظرا لأهمية الموضوع وتداعياته الصحية الخطيرة، فقد تم الاحتفال في يوم الصحة العالمي قبل فترة، تحت شعار» سلامة الطعام من الحقل الى المائدة»، ودون شك ان أهمية هذا الموضوع تتجلى بوضوح في بلادنا، حيث لا تكاد تمر فترة وألا نسمع عن اكتشاف او عن ضبط ومصادرة وإتلاف أطعمة ومنتجات فاسدة وبأنواعها، وهذه الدوامة أصبحت مكررة ومملة، وتحتاج الى تدخل نوعي يهدف الى إيجاد حلول جذرية لموضوع الأطعمة الفاسدة او غير الصالحة في بلادنا، أسوة بما تقوم به الجهات المختصة ذات الصلاحيات الواسعة في العديد من الدول.
وللتخفيف من حالة القلق والهلع التي تصيب الناس في بلادنا هذه الأيام، أو بعد كل إعلان عن اكتشاف أغذية فاسدة، وفي ظل وجود جهات عديدة عندنا، سواء أكانت رسمية أو غير رسمية، تعمل في مجال سلامة الطعام والمنتجات، والذي قد يؤدي في أحيان عديدة الى تضارب أو الى غياب التنسيق بين هذه الجهات، أو حتى الى تبادل الاتهامات وتحميل المسؤولية حين يكون هناك أشكال أو مشكلة، لذا يجب المبادرة لإنشاء إطار واحد يضم كافة الجهات العاملة في مواضيع سلامة الطعام والدواء، تندرج تحت مظلة مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء مباشرة، ويعمل على تحديد الأولويات وتوفير الإمكانيات، ويكون العنوان الأوحد الذي يلجأ إليها المستهلك والمسؤول والمختص والمواطن.
ومن اجل طمأنة المستهلك، فالمطلوب من الجهات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بسلامة الغذاء والدواء ولمنع وصول المواد الفاسدة للناس، وضع برنامج منظم ومتكامل من اجل سحب عينات عشوائية، سواء أكانت من الخضار او من الفواكه أو من منتجات غذائية، او من الدواء، او حتى من الخبز والكعك، والحليب ومشتقاته، وإجراء الفحوص الروتينية لهذه العينات، في مختبرات تم اعتمادها، وتم التأكد ومن خلال مختصين بجاهزيتها، سواء طاقمها او أجهزتها، والاهم كذلك نشر نتائج الفحوص من خلال وسائل الإعلام، لكي تصل الى المستهلك.
ومع تراكم القلق والخوف من دوامة الأغذية الفاسدة، فالمطلوب مراجعة وتعديل القوانين الحالية، لكي تكون رادعة، وحتى يتم إعداد قوانين تتناسب مع حجم المشكلة، التي يواجهها المستهلك الفلسطيني، فمن المفترض ان يتم اتخاذ الإجراءات المطلوبة ومنها الإجراءات القضائية بحق من يروج الى الأغذية الفاسدة، وانه يجب تطبيق القوانين الحالية وبحزم وعلى الملأ وخاصة على الجهات التي تسوق الأغذية الفاسدة وبأنواعها.
وأيضا فموضوع سلامة الأدوية يضاهي بالأهمية موضوع الأطعمة الفاسدة، حيث تتحدث الأخبار، بين الفينة والأخرى، عن وجود أدوية غير فعالة او مهربة او منتهية الصلاحية في السوق الفلسطينية، وعن وجود مستحضرات تجميل مهربة او غير مسجلة، وبالتالي غير خاضعة للتفتيش والفحوص.
وبالطبع تثير هذه الأنباء حالات القلق والإرباك وعدم الوضوح عند المواطن، بجانب ما يمكن أن يجر ذلك من الآثار الصحية والبيئية والاقتصادية المترتبة عليها، وهذا يؤكد على أهمية وجود هيئة مستقلة تملك الإمكانيات من كفاءات بشرية ومختبرات وبرامج عمل لحماية المواطن الفلسطيني من الأدوية والمستحضرات الأخرى والمتداولة في السوق الفلسطينية، والتي قد تكون في أحيان عدة خطيرة.
وما لم يتم ذلك، فإن موضوع سلامة الغذاء والدواء سوف يظهر على الساحة كل فترة وأخرى، والمنتجات الفاسدة سوف تبقى في الأسواق، حيث من الممكن اكتشاف وإتلاف جزء منها، وبالتأكيد سوف يصل الجزء الآخر الذي لا يتم اكتشافه الى أفواه الناس وما لذلك من تداعيات، وبالأخص تداعيات بعيدة المدى، وبالأخص أن هناك دراسات كثيرة في العالم تربط وبشكل مباشر ازدياد نسبة الأمراض المزمنة أو غير السارية وتلوث الطعام وفساد الأدوية وبالأخص وجود مواد كيميائية ولو بتراكيز لا تظهر لها آثار سامة مباشرة أو لحظية.