نجحت الجولة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن في إعادة توحيد حلف الناتو في مواجهة روسيا؛ حيث أرسلت الدول الأعضاء في الحلف سفنها الحربية إلى البحر الأسود في استعراض تضامني مع أوكرانيا؛ ما أثار غضب الدب الروسي الذي بدا أكثر من أي وقت مضى تحت الاستفزاز العسكري، ما زاد الضغوط عليه من جيرانه. فإعادة تفعيل القوة العسكرية للحلف هي رسالة ليست لروسيا فقط؛ بل لجارتها الكبرى الصين التي يخوض معها الأمريكيون صراعاً يزداد سخونة في بحر الصين الجنوبي، إضافة إلى الصراع الاقتصادي الظاهر للعيان منذ سنوات.
التوحد الأطلسي خلف أمريكا وجد صدى يمينياً أوروبياً سلبياً كارتداد داخلي؛ أسفر عن إصدار 16 حزباً قومياً أوروبياً إعلاناً مشتركاً يهدف إلى توحيد جهودها؛ لمنع الاتحاد الأوروبي من التحول إلى دولة كبرى تذيب التطلعات القومية فيها. وكانت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبن، و15 من حلفائها في أوروبا، بينهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أصدروا «إعلاناً مشتركاً» في الثاني من يوليو/ تموز، وصفوه بأنه «الحجر الأساس» لتحالف في البرلمان الأوروبي؛ يهدف إلى «إصلاح أوروبا».
وكتب الموقعون على الإعلان المنشور في الموقع الإلكتروني لحزب التجمع الوطني الذي تقوده لوبن، أنه «في وقت يطلق فيه دعاة العولمة والأوربة، وممثلهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤتمر مستقبل أوروبا الذي يهدف إلى زيادة سلطة الهيئات الأوروبية، فإن اتفاق اليوم هو حجر الأساس لتشكيل تحالف واسع في البرلمان الأوروبي». ومن بين الموقعين مارين لوبن، وزعيم حزب الرابطة الإيطالي ماتيو سالفيني، ورئيس الوزراء ورئيس حزب «فيدس» المجري فيكتور أوربان، وزعيم حزب القانون والعدالة البولندي ياروسلاف كاتشينسكي، ورئيس حزب «فوكس في» إسبانيا سانتياغو أباسكال، وزعيمة حزب «فراتيلي ديتاليا» جورجيا ميلوني.
وفي إعلان منفصل، شددت لوبن على الحاجة إلى «إصلاح عميق» للاتحاد الأوروبي؛ خشية «إنشاء دولة أوروبية كبرى». واعتبر الموقعون ال16 أن الاتحاد الأوروبي «يواصل السير في المسار الفيدرالي الذي يبعده بشكل محتوم عن الشعوب التي هي القلب النابض لحضارتنا».
هذه التطورات على الصعيد الغربي بين التوحد والبحث عن الخصوصيات القومية المتحالفة لا نجد لها أي أثر في العالم العربي؛ لأن العلاقات العربية – العربية في أدنى مستوياتها؛ حيث قبرت حرب الخليج الأولى الأجسام الوحدوية التي كانت طور الإنشاء؛ كالاتحاد المغاربي والاتحاد العربي وبقي مجلس التعاون الخليجي يكافح وحده للبقاء في وجه التحديات.
وخلال السنتين الأخيرتين لاحظنا محاولات من قبل ومصر والعراق والأردن لإطلاق تعاون اقتصادي مشترك بعد لقاءات قمة وزارية بين هذه الدول آخرها قمة بغداد التي بحثت فيما بحثت سبل التعاون الاقتصادي ومشاريع نقل مشترك عبر قوافل النقل البري الأردنية بين مصر والعراق وتصدير المنتجات المصرية إلى العراق عوضاً عن الإيرانية والتركية، وإمداد العراق بالطاقة الكهربائية وفوق هذا وذاك استعادة العراق إلى الحضن العربي، ما يعني ضمناً التخلص من وطأة التأثير الإيراني المتمدد داخل العراق، بينما تتولى مجموعات «داعش» تخريب خطوط الكهرباء داخل العراق، ناهيك عن أزمة المياه التي تواجه منابع نهري دجلة والفرات في تركيا من جرّاء تحويل روافد النهرين أو إقامة المزيد من السدود داخل تركيا، وهو تهديد لكل من سوريا والعراق بكارثة.
كل التحديات السياسية والاقتصادية والمائية؛ تفرض على الدول العربية أن تنسق في ما بينها؛ لتدارك التهديدات التي تواجهها. ففي عصر العولمة روج الكثير من السياسيين والمنظرين في الغرب لما يمكن وصفه بحملة تشهير ضد القومية أو محاولات الوحدة العربية باعتبار أن زمن القوميات انتهى؛ لكننا نجد أن دول هؤلاء إما تجنح الى التوحد اقتصادياً وسياسياً وإما تؤجج المشاعر القومية في أقطارها؛ لإعلاء الشعور القومي بينما تحرم على العرب ذلك. فالحزب الجمهوري الأمريكي له توجه أيديولوجي ليس قومياً فقط؛ بل وفاشي، وكذلك الحكم في بريطانيا والبرازيل وروسيا والصين وإيران وتركيا. الدول تتوحد سياسياً واقتصادياً، بينما العرب يواصلون الانقسام.. وتلك كارثة الأمة.
*كاتب فلسطيني .