مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، ترسخت العلاقة الخاصة والمميزة عبر المحيط الأطلسي بين بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، حتى أضحت مبدأ ونهجاً ثابتاً تبنته جميع الحكومات البريطانية المتعاقبة، العمالية والمحافظة على حد سواء، حتى أضحت الإمبراطوية العجوز التي لم تكن تغرب عنها الشمس تسير في ظل الإمبراطوية الأميركية الشابة إلى درجة عالية. في ذات السياق، لم تقبل بريطانيا أن تكون في ذات المكانة في أوروبا كتابع، فسعت إلى أن تكون صاحب الامتيازات والدور الفاعل والمؤثر على المستوى القاري، وإن هي انخرطت في قيادة «الاتحاد الأوروبي» بالشراكة مع ألمانيا وفرنسا، إلا أنها لطالما كانت تعيش التردد بحيث ظلت بشكل ما خارج الوحدة الأوروبية في كثير من القوانين حتى وصلت الأمور إلى «بريكست».
في فترة حكم الرئيس الأميركي (دونالد ترامب)، ووصول (بوريس جونسون) لرئاسة الحكومة البريطانية، تبين وكأن العلاقات بين البلدين تسمو على سواها، في ظل انتشار «الشعبوية» في العالم. فالرجلان يتشاركان بعديد الأمور على رأسها الشخصية غير العادية التي تطلق مواقف وتتراجع عنها، ويستخدمان لغة «متحيزة» ضد المسلمين والمهاجرين، والأهم أنهما يتشاركان في الموقف من «الاتحاد الأوروبي». (فجونسون) كان يرى ضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى من دون اتفاق، معتبراً أن بقاءها ضمن الاتحاد سيعود عليها بخسائر كبيرة، وهو ما كان يتوافق مع وجهة نظر (ترامب) الذي حث بريطانيا على الخروج بلا اتفاق، واعداً ومتعهداً بالتوصل إلى «اتفاق تجاري كبير جداً» مع المملكة المتحدة، واصفاً بريطانيا بعد «البريكست» بأنها «سوف تتخلص من مرساة معلقة في كاحلها». وأضاف: «سوف نتوصل إلى اتفاق تجاري كبير جداً، أكبر من أي اتفاق توصلنا إليه مع المملكة المتحدة. وفي وقت لاحق سوف يتخلصون من العقبة الحالية، وسوف تزول المرساة المعلقة في كاحلهم، لأن ذلك هو مشكلتهم الحالية».
رحل (ترامب) دون اتفاق موقع، وجاء جو بايدن بسياسة مغايرة تركز على إصلاح العلاقات عبر الأطلسي بعدما أضر بها (ترامب)، مركزاً على باريس وبرلين أكثر من لندن (التي يهمها أساساً الاتفاق التجاري مع واشنطن بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي فيما يعمل(بايدن على إصلاح منظمة التجارة العالمية، وتحسين العلاقات التجارية مع «الاتحاد الأوروبي».
بطبيعة الحال، لن تمانع الولايات المتحدة بتعزيز الروابط الثنائية أكثر، فالرئيس الأميركي يقر بأهمية العلاقة الخاصة والمميزة مع بريطانيا حتى وإنْ كان من معارضي «بريكست» الذين يرون فيها خطأ فادحاً، ورغم الانطباعات السلبية المتراكمة بسبب سياسات أو تصريحات (لجونسون) أثارت امتعاض وضيق (بايدن). فالأساس أن هناك كثيراً من المصالح المشتركة التي تقلل من أهمية الجانب الشخصي، فالعلاقات بين لندن وواشنطن، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واستراتيجياً وثقافياً راسخة، كما أن إدارة (بايدن) تدرك أنها لا تستطيع أن تقف بمفردها أمام عديد التحديات المشتركة مثل الصين، وروسيا، وتغير المناخ، وكوفيد- 19، والتحديات الاقتصادية، وأنها بحاجة إلى حلفاء، وتظل بريطانيا ومن بعدها حلف الأطلسي عنوانين لهما قيمة استراتيجية كبيرة.
* د. اسعد عبد الرحمن – كاتب وباحث سياسي .