ربما ندرك الآن المعنى الحقيقي للاعلان االذي صدر قبل فترة على وسائط النشر الرسمية حاجة السلطة الى مكلفين لاجهزتها الامنية اشتراط عدم حصولهم على شهادة الثانوية العامة والتركيز على صغر اعمارهم وقوة بنيانهم واطوالهم وأوزانهم ، ما أكد عليه الخبير العسكري الامني الاستراتيجي الامريكي دايتون في محاضرته المطولة بمعهد واشنطن بعد نجاحه في مهمته مع السلطة الفلسطينية حين قال ان انتماء اجهزتها الامنية اليوم لم يعد للوطن او للشعب او لفتح او لكبير العشيرة او لشيخ الدين ، بل للمدير . فيصل هذا المكلف بغض النظر عن رتبته العسكرية / الامنية ليقول الجملة اعلاه : انا عبد مأمور ، يرددها في سره وعلنه عدة مرات في اليوم ، قبل النوم وبعد الصحو ، حتى تصبح احدى مسلماته في الحياة بدون واعز من خلق او ضمير او حلم او أخوة او تعاطف ، هكذا فعلوا مع المتظاهرين والمتظاهرات بغض النظر عن اعمارهم ، سحلا وتحقيرا وضربا وكأن يهودا يضربون عربا، او كأننا في حي الشيخ جراح ، لا في رام الله .
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كان القتلة الذين اقتحموا منزل نزار بنات عبيدا مأمورين ؟ وهل سيعفيهم ذلك أمام القضاء من عقوبة تنفيذ امر القتل ؟ وهل ينفع عدم اعتقال الآمر ذاته ؟ وهل سيعفيه عدم اشتراكه في التنفيذ من انه صانع القتل الحقيقي بالادوات المتوفرة “عبد وعتلة” ؟
إن السلوكيات المخجلة التي اعقبت عملية القتل ، بما في ذلك الصمت والمداورة والتهرب من مسؤولية القتل ، وعدم محاسبة اي شرطي او عنصر امن ممن سحلوا وضربوا واعتدوا على متظاهرين سلميين ، يكاد يشي بالكثير ، اقله : انا عبد مأمور ، فيعفى هذا العبد من مسؤولية ما اقترفته يداه القذرتان ، دون احضار الآمر للمحاسبة و للمحاكمة ، في انتظار جريمة جديدة بنفس الآمر ونفس العبد المأمور.
لن يستطيع العبد ان يسأل آمره ان كنا ما نحن بصدد القيام به ، جريمة يحاسب عليه القانون ، سيقول له : انا القانون ، لن يستطيع العبد سؤاله إن كان هذا مخالف للقيم والمباديء والعرف والخلق والشرع ، لأنه اصلا مفرغا رأسه من كل ذلك ، وعلى هذا الاساس تم استحضاره وتجنيده وتدريبه كعبد مأمور وأداة قتل .
عندما نقل مدير شرطة نابلس الى بيت لحم بعد جريمته اقتحام جامعة النجاح قبل نحو عشرين سنة ، قلت له انني لا اتشرف بمصافحتك والترحيب بك مديرا لبيت لحم ، امتص غضبتي بأدب امام نفر من الزملاء الصحفيين، وادخلني في غرفة بمقر المحافظ محمد المدني انذاك، قال لي : بدلا من ان توجه اللوم لي في الاقتحام، عليك ان تلوم المستوى السياسي الذي اصدر الامر، انا مجرد تنفيذي “عبد مأمور” ، سألته: هل اذا وجه اليك الامر باغتصاب بنت فلان، فهل تنفذ ؟ قال: لا ، فقلت له: انك باقتحامك جامعة النجاح انما كما لو قمت باغتصابنا كلنا. لا ينفع يا سيدي الآمر تحرير الارض بدون تحرير انسانها من ربق عبوديتهم، انك ايها الآمر بقتلك نزار بنات انما كأنك قتلتنا كلنا، بل “كأنما قتل الناس جميعا” صدق الله العظيم .