عدم تكافؤ الصراع بين الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الصهيونية يؤسس لمرحلة قادمة وشريك آخر

حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

كان أمس الأول يوما فارقا في تاريخ القدس وربما في تاريخ الصراع حولها لأنه شكل قفزة نوعية الى الأمام من قبل إسرائيل ونكسة لا يجوز لأي منا أن يقلل من خطورتها أو خطورة التطورات المستقبلية التي ستترتب عليها.
فمنذ أعوام والسلطات الإسرائيلية تسعى وببطء شديد، ولكنه مستمر ومتتابع لتغيير الواقع في المسجد الأقصى الى أن أصبحت زيارات اليهود للأقصى أمرا ً يوميا ً وتحت حراسة الشرطة الإسرائيلية. وقد شكلت هذه الزيارات في بداياتها بالنسبة لليهود خطوة متقدمة، ولكنها ليست الخطوة النهائية.
أمس الأول وقف اليهود ليصلوا بشكل جماعي وبدون أي ارباك أو ازعاج من قبل الشرطة التي وقفت تحرسهم بعد أن كانت حتى الآونة الأخيرة ترافقهم كزائرين وتحاول منع أي فرد منهم اجراء أية طقوس دينية. أما أمس الاول فقد وقفت الشرطة تحرس المصلين اليهود بعد أن أقدمت منذ ساعات الفجر على منع دخول المسلمين للمسجد الأقصى وإخراج المصلين المسلمين الذين أدوا صلاة الفجر فيه.
فالعمل الذي قامت به الشرطة كان ذو شقين: الأول اخلاء المسلمين ومنع دخول أناس جدد منهم للمسجد وتأمين دخول اليهود ومرافقتهم وحراستهم وهم يؤدون الصلاة حسب الشعائر اليهودية.
المتتبع للشؤون الإسرائيلية يدرك أن الإسرائيليين يتّبعون استراتيجية النفس الطويل والخطوات التراكمية لبناء واقع متجدد تدريجيا هدفه النهائي هو تطبيع صلاة اليهود في الأقصى وخلق حالة من اليأس والقبول بالأمر الواقع لدى الفلسطينيين، بل ولدى المسلمين في العالم. وهم يعتقدون بأن أية خطوة الى الأمام نحو تحقيق الهدف هي خطوة مهمة مهما تناهت في الصغر. والذي يذكر كيف كان اليهود يدخلون لساحات المسجد في بداية القرن الحالي فقط كسياح يشترون تذاكر دخول من الأوقاف، ويستعرض الإجراءات التي أعقبت إغلاق المسجد أما الزوار آنذاك، والتغيير الذي طرأ على موقف الشرطة التي كانت توصي الحكومة بأن لا تسمح بدخول اليهود للمسجد، وكيف تحولت تدريجيا زمن نتنياهو ووزير امنه الداخلي أردان الى حام وحارس لهم في أداء صلواتهم وطقوسهم في ساحات المسجد، يدرك مغزى وأهمية هذه الاستراتيجية ويستطيع استطلاع ما يمكن أن يحدث في المستقبل اذا استمرت سياسة الخطوة خطوة هذه دون ازعاج.
فالواقع الذي أمامنا اليوم يعكس التغيير الذي طرأ خلال السنوات الماضية على سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من حكومات لا تسمح بدخول اليهود للأقصى تجنبا للصدام مع العرب والمسلمين سواء داخل الأراضي المحتلة أو خارجها الى حكومات تسمح لليهود بالدخول للأقصى وترعاهم وتحث الوزارات والدوائر المختلفة على ترتيب البرامج لزيارة الطلاب والشباب اليهود للأقصى ثم للصلاة فيه.
وعلينا أن نتوقف مطولا ً أمام التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أمس الأول ونفاه لاحقا لاحتواء بعض الضغوط الدبلوماسية الخارجية، والذي قال فيه ان إسرائيل ستحافظ على حرية أداء الشعائر الدينية لليهود والمسلمين في الأقصى والذي يسميه اليهود جبل الهيكل. فأداء الشعائر الدينية لليهود والمسلمين في الأقصى هو مساواة في الحق والادعاء وهي مساواة في ظل وضع تقف الشرطة بالسلاح والهراوي والحواجز لتمنع المسلمين داخل القدس من الوصول للأقصى، بل وحتى من دخول بوابات البلدة القديمة، وتمنع المسلمين في الضفة والقطاع من الوصول للقدس وبنفس الوقت ترافق مسيرات اليهود المتطرفين داخل أسواق البلدة القديمة وتمارس البطش والعنف والاعتقال ضد أي بادرة احتجاج فلسطيني على ذلك.
صحيح أن بينيت نفى ما قال وأضاف بأنه يقصد حق اليهود في زيارة المكان، ونحن نرفض هذه “الزيارة” إلا أن علينا أن نرى الحقيقة في هذا التصريح والتي تعكس صورة المرحلة القادمة مرحلة المساواة في حق أداء الشعائر الدينية اليهودية في الأقصى مع المسلمين والتي لن تكون المرحلة النهائية، بل ستعقبها مراحل الى أن يتحقق الهدف النهائي وهو هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه.
كان أمس الأول، الذي احتفل فيه اليهود بذكرى خراب الهيكل، هو بداية المرحلة القادمة، مرحلة بناء الهيكل.
والسؤال الى أين نحن وهم ذاهبون؟ والجواب مرهون بأي اتجاه سنذهب.
لقد أقيمت إسرائيل بحجة بناء ملجأ لليهود المضطهدين الملاحقين ضحايا اللاسامية والنازية. وأنا لست بصدد مناقشة هذا الادعاء لأن هناك تحليلات كثيرة ترى في إقامة دولة إسرائيل أمرا آخر أريد منه تحقيق أهداف أخرى سواء كانت أهداف كولونيالية أم أهداف استراتيجية إقليمية ودولية من ضمنها إقامة حاجز يفصل بين الدول العربية في أفريقيا وشقيقاتها في آسيا أم أهداف سياسية واقتصادية أخرى، وأفضل في هذا المقام أن أتقبل بسذاجة الادعاء القائل بأنها أقيمت كملجأ ومأوى لليهود “الغلابى” الملاحقين المضطهدين. فهل بقيت كذلك؟ لا ، لم تبق كذلك. فقد تحولت الدولة التي أقامها الغرب على أرض فلسطين من مأوى وملجأ للمضطهدين الى دولة عسكرية متغطرسة تمارس العنف والاضطهاد والعنف ضد شعب آخر هو الشعب الفلسطيني الذي تعرض ويتعرض الى أبشع مؤامرة دولية وجريمة تاريخية ضد الإنسانية.
ولقد قامت إسرائيل بحجة أن الحركة الصهيونية هي حركة تحرير وطني هدفها تحرير اليهود الذين حولت ديانتهم الى قومية. واليوم نشهد مرحلة جديدة من مراحل الحركة الصهيونية وهي الانتقال من مرحلة الادعاء بالليبرالية والتحرر الوطني الى مرحلة التحول الى مرحلة التمييز العنصري الذي يؤسس الى اقامة دولة أبرتهايد.
وهذه الدولة العنصرية تقف اليوم على مفترق طرق فهي إما أن تتحول الى دولة أبرتهايد علمانية على غرار ما كان في جنوب أفريقيا أو دولة عنصرية دينية تقوم على اعتبار العرق اليهودي المتدين هو العرق الأسمى وأن كل ما هم غير اليهود وجدوا لخدمة شعب الله المختار.
وفي الخلاصة أقول بأن ليس هناك تكافؤ في الصراع بيننا وبين اليهود سواء فيما يتعلق بالمسجد الأقصى أو فيما يتعلق بمجمل الصراع. فالحركة الوطنية الفلسطينية على اختلاف مكوناتها هي حركة مدنية لا تقوم على أساس الأيديولوجيا الدينية. وإذا كانت الحركة الوطنية الفلسطينية تُشكل ندا ً للحركة الصهيونية في بدايات الصراع فإنها اليوم لا تستطيع أن تقف أمام حركة ذات أيديولوجيا دينية متطرفة. ومن هنا فإن علينا أن نفهم سبب التراجع في الدعم الشعبي للحركة الوطنية الفلسطينية على اختلاف مكوناتها التي لم تعد قادرة على إدارة الصراع مع الاحتلال الموغل في النهج الديني المتطرف. ولعلي لا أجازف إذا قلت بأن على الحركة الوطنية أن تأخذ العبرة وأن تفهم ابعاد الصراع الذي تواجهه، والذي بادرت فيه الحركة الصهيونية الى جر المنطقة الى صراع ديني. وأضيف بأن هذا هو الخيار والطريق الوحيد الذي تتركه أمامنا السياسات الإسرائيلية اليهودية المتطرفة التي تحاول تغيير الوضع القائم في الأقصى وصولا ً الى هدمه وبناء الهيكل أمامه، ولا تُدرك الأبعاد الخطيرة لسياستها هذه. وعليها أن تفهم بأنها إن أسقطت الحركات الوطنية فإنها ستجد نفسها أما البركان الديني الإسلامي المتفجر الذي سيخرج الحركات الوطنية من حلبة الصراع ويقود الصراع الى نهاية ليس من الصعب التنبؤ بنتيجتها. والتي سيكون اليهود هم الخاسر فيها دون أدنى شك.
وكل عام وأنتم بخير.